Image

إسرائيل منقسمة حول "اتفاق لبنان" ونتنياهو يبدأ جني الثمار

بتعليمات وزير الأمن يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي لقوات الجيش المنتشرة في لبنان لمواجهة انتهاك الاتفاق من جانب "حزب الله"، أبقت اسرائيل الضغط على الزناد في وجه المدنيين اللبنانيين وأبقت على وضع من التوتر الأمني.

واتضح من حديث عسكريين وأمنيين أن النيران التي أطلقت في أول يومين من وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" لم تنفذ لمنع ما تسميه تل أبيب "منع انتهاك الاتفاق"، إنما أيضاً لتأكيد متخذي القرار لمعارضيه من مدنيين وسياسيين، ما سبق وأعلنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراء في حكومته أن يد إسرائيل ستبقى العليا في لبنان وستواصل الرد بالنيران القوية إذا ما قام "حزب الله" بانتهاك الاتفاق واقترب من الحدود. لكن هذه التعليمات أبعدت من المنطقة أجواء الهدوء ووقف النار وجعلت أصوات النيران والانفجارات متعالية خلال حوادث عدة في أول يومين من الاتفاق.

ومن غير الواضح إذا كان من أُطلق عليه النار هو من عناصر "حزب الله"، وإذا كان الاتفاق يشمل بنداً يتحدث عن عدم عودة سكان الجنوب لبيوتهم، علماً أن إسرائيل تحدثت قبل توقيع الاتفاق بأيام عن أن عودة اللبنانيين ستتم بعد أسبوعين، وبعد نشر تفاصيل الاتفاق لم تحدد فترة، بل تمت الإشارة إلى عودة سكان الجنوب على أن تعمل إسرائيل على عودة سكان الشمال في المقابل الآخر للحدود.

عدم وضوح هذه الجوانب في الاتفاق يبقي المنطقة أمام خطر اشتعال في حال إطلاق الجيش نيراناً قوية أو ارتكاب خطأ خطر يودي بحياة مدنيين، كما حصل اليوم الخميس عند القصف المكثف على لبنان واتضح لاحقاً أنه تشخيص خاطئ.

ففي ساعات الظهر، منحت منظومة الدفاع الإسرائيلية أوامر إطلاق نيران باتجاه لبنان بادعاء أن مسيّرة لـ"حزب الله" كانت في طريقها إلى إسرائيل، وأطلقت المدفعية نيرانها بالفعل، ليتضح لاحقاً في بيان للجيش أن ما حدث جراء تشخيص خاطئ، إذ تبين في ما بعد أن طائراً أو مسيّرة إسرائيلية استخباراتية صغيرة شوهدت في أجواء لبنان اعتقدوا في منظومة الدفاع بأنها مسيّرة تابعة لـ"حزب الله"، "خطأ والعملية انتهت".

هكذا بكل بساطة يعترف الجيش بتشخيص خاطئ، علماً أنه تبين من فحصنا للبلدات التي أطلقت عليها النيران، أن بعضها غير مشمول بالخط الأحمر الذي حدده الجيش ووزعه عبر منشورات على سكان لبنان وطالبهم بالامتناع عن الدخول إليه.

وإطلاق النيران الإسرائيلية التي قوبلت بصمت لبناني ومن قبل الجهات الدولية المشاركة في بلورة ورقابة الاتفاق، حظيت في إسرائيل حتى بدعم من يعارض نتنياهو وسياسته.

يهونتان كونريكوس المتحدث السابق للجيش الإسرائيلي للصحافة الأجنبية والذي كثيراً ما أعرب عن موقف معادٍ لسياسة نتنياهو أشاد بما يقوم به الجيش، وإن أخطأ في التشخيص، وأكد ضرورة استمراره بتنفيذ الاتفاق، قائلاً "الأمر في غاية الحيرة والقلق، فمن ناحية ما زلنا في المراحل الأولى بعد 14 شهراً من القتال، ولا شك في أن عمليات إطلاق نار كهذه ستكرر ومن ناحية أخرى قد يؤدي الوضع إلى تصعيد أمني".

غير أن كونريكوس يرى أن ما قام به الجيش في غاية الأهمية وبرأيه "حزب الله، من دون أدنى شك، سيواصل الاقتراب من المناطق التي يمنع الدخول إليها وسيتسلل إلى بلدات الجنوب المحاذية للحدود بحماية المدنيين، لذلك لا يمكن للجيش الإسرائيلي إلا أن يكون حازماً وواضحاً، لكن في الوقت نفسه من المهم جداً أن يُظهر عبر الشاشة هذه الانتهاكات".

ويشير إلى أن الأمر الأكثر أهمية هو ما نفذه الجيش الإسرائيلي من هجوم مكثف في الدقائق الأخيرة قبل دخول وقف النار حيز التنفيذ وضرب البنى التحتية لـ"حزب الله".

اختبار الاتفاق

تشكل المرحلة الأولى من الاتفاق التي منحت 60 يوماً للجيش الإسرائيلي للانسحاب التدريجي وانتشار الجيش اللبناني وقوات "يونيفيل" مكانه، فترة اختبار لمدى نجاح هذا الاتفاق، أو لنقُل "هدنة وقف النار"، كما يسميها الإسرائيليون، وهناك من يراهن ويرى أن ما حدث اليوم يشير إلى أن التوتر ما زال على طرفي الحدود وأن إنهاء التهدئة ليس أمراً بعيداً من الواقع.

في هذا الجانب، يوضح القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي عقيد احتياط دورون غفيش أن "الاختبار الحقيقي هو في تطبيق الاتفاق على أرض الواقع"، وأثنى هو الآخر على ما قام به الجيش الإسرائيلي اليوم، قائلاً "بمثل هذه الطريقة يجب التعامل مع الطرف الآخر، فأي انتهاك للاتفاق يستدعي الرد عليه تماماً كما فعل الجيش اليوم، فنحن لسنا فقط أمام فترة اختبار تجاه ’حزب الله‘ وكيفية تصرفه، إنما أيضاً نحن في سياق التنفيذ وتطبيق المهمة الملقاة على عاتق الجيش، والسماح لإسرائيل بردّ فوري بالنيران هو حق لها، والرد القاسي يأتي في سياق الحفاظ على نوع من الردع وليس في سياق العودة للتوتر كما كنا".

مكاسب نتنياهو

قرار نتنياهو بعدم تحويل الاتفاق إلى مصادقة الحكومة يعكس تخوفه الكبير من احتمال فشل المصادقة عليه، واستطاع في غضون 48 ساعة أن يقنع وزراء المجلس السياسي الأمني بضرورة دعمه، وبالفعل لم يعترض عليه إلا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

ولخشيته من الكشف عن تفاصيل بنود الاتفاق، اختار نتنياهو بعد المصادقة عليه أن يتحدث للجمهور عبر فيديو مسجل ليؤكد من جديد صحة موقف أولئك الذين اعتبروا نتنياهو يرسم خطواته وفق مصلحته الشخصية، "إنه بالفعل يريد اتخاذ خطوات يحقق من خلالها أهدافاً شخصية وفي الوقت نفسه ضمان الاستمرار في رئاسة الحكومة"، بحسب ما قال أكثر من سياسي وأمني بعد حديث نتنياهو.

فقد حصل نتنياهو على وعود عدة من واشنطن تضمن له تحقيق طموحاته في غزة وتجاه إيران واستمرار تمسكه في كرسي رئاسة الحكومة. وعلى رغم تحذيرات سياسيين وعسكريين ومطالبتهم بنشر الاتفاق بأدق تفاصيله على السكان، فإن نتنياهو ضرب بعرض الحائط التحذيرات كافة وبينها خشية رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان من أن يكون الدافع لمنع عرض نتنياهو الاتفاق على الجمهور ما يشمله من بنود سرية يريد إخفاءها".

جاء هذا في وقت كُشف عن أن مستند الضمانات الذي أرفقته الولايات المتحدة باتفاق وقف النار يشمل بنداً تحت اسم القسم الإيراني وفيه تتعهد الولايات المتحدة بالعمل مع إسرائيل لمنع إيران من زعزعة استقرار المنطقة ومواجهة تدعيم تموضعها في لبنان وعرقلة تقييدها لتنفيذ الاتفاق بصورة مباشرة أو من خلال وكلائها.

وفي هذا البند، وضعت واشنطن طلباً بإبلاغها في حال قررت تل أبيب اتخاذ خطوات ضد إيران، ومما تضمنه المستند أيضاً أن وجود الولايات المتحدة كرئيسة لآلية الرقابة سيجعلها تقوم بقيادة وتوجيه القوات المسلحة اللبنانية لمنع الانتهاكات وتوفير مراقبة فاعلة.

أسلحة التنفيذ

الهدية التي تلقاها نتنياهو بعد ساعات قليلة من دخول وقف النار مع لبنان حيز التنفيذ، بموافقة الرئيس جو بايدن على تحرير صفقة بيع أسلحة دقيقة بقيمة 680 مليون دولار، إنما هي ثمرة أولى يقطفها نتنياهو من بين ثمرات عدة ضمن حصوله عليها قبل التوقيع على اتفاق وقف النار مع لبنان.

وما كان من الصعب على من أصغى لنتنياهو في كلمته المسجلة ليل الإعلان عن وقف إطلاق النار، ملاحظة أنه يحدد أهدافه المستقبلية بعد هذا الاتفاق، وسط الاحتجاجات الواسعة والمعارضة عليه، إذ اعتبر أن التوقيع كان خطوة ضرورية وأن الجيش حقق النصر في حربه مع "حزب الله" بتقويض 80 في المئة من قدراته العسكرية والقضاء على معظم قياداته وآلاف مقاتليه.

إنجاز استراتيجي... ولكن

الباحث في شؤون إيران والتنظيمات الشيعية يوسي منشروف يرى أن وقف النار مع "حزب الله" يتضمن إنجازاً استراتيجياً لإسرائيل، تحديداً في ما يتعلق بفك الارتباط بين ساحات القتال في لبنان وفي قطاع غزة، لكنه في الوقت نفسه يعكس تفويتاً لفرصة ذهبية لدى إسرائيل.

ويقول منشروف "تبرز إيران في غيابها في اتفاق وقف النار، فهي ليست طرفاً في الاتفاق ولن تكون ملتزمة به، ومن غير المعقول أن توافق على أن تتخلى عن منظمة ’حزب الله‘، ذراعها الاستراتيجية المتصدرة في الشرق الأوسط، التي تؤدي دوراً مهمة في تحقيق خطتها لفرض الهيمنة الإيرانية في المنطقة وخطتها لإبادة إسرائيل، وعليه فإن إيران ستستغله، فوراً بعد وقف النار، كي تحرك خطة شاملة لترميمه وحفظ هيمنتها في لبنان".

وبتوقعاته، فإن "حزب الله" سيختار بداية أن ينطوي على نفسه وأن يرمم نفسه ومكانته، بعد أن تلقى انتقاداً من أوساط قاعدته الاجتماعية في الطائفة الشيعية أيضاً بتقديم مساعدات بمليارات الدولارات من إيران لتنفيذ خطة ترميم واسعة.

من جهة أخرى، أشار منشروف إلى أن الاتفاق يشمل بنوداً إشكالية، وبرأيه لا يمكن الاعتماد على قوات "يونيفيل" التي لم تتمكن من تنفيذ القرار 1701 في الحفاظ على الأمن، كما أن الجيش اللبناني الذي هو المرسى الاستراتيجي المركزي في السياسة الأميركية في لبنان، مخترق من ’حزب الله‘".

أما غياب منطقة عازلة، فبرأيه "سيؤدي إلى عودة ’حزب الله‘ للحدود برعاية سكان جنوب لبنان ويستأنف التهديد الكامن الذي سيتصاعد كلما رمم، بمساعدة إيرانية مكثفة، بناه التحتية في المنطقة. أما بعد أن تنسحب إسرائيل من لبنان وتسرح قوات الاحتياط، فسيكون من الصعب عليها العودة للقتال المكثف ضد ’حزب الله‘".

ويعتبر منشروف أن الجيش الإسرائيلي حقق إنجازات كبيرة في المعركة بلبنان "وهي إنجازات لا تترجم في الاتفاق المتحقق إلى مبادئ تضمن أهداف هذه الحرب التي جاءت لتثبت أن إسرائيل لم تعُد أسيرة للمفهوم المغلوط للسابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، فضلاً عن هذا، فإنه ما دام أنها لم تعالج إيران التي تدير منظومة الوكلاء و’حزب الله‘ هو فيها ’درة التاج‘، فمن المتوقع أن تواصل تآمرها في لبنان كي لا يتضعضع احتلالها له من خلال الحزب".