Image

عصابات الفوضى تواصل إفقار اليمنيين .. اليمن بين تنوع الموارد وانهيار مقومات الحياة .. معادلة أذهلت العالم

تعيش البلاد أوضاعًا شبه مأساوية جراء استمرار فساد عصابات الفوضى التي ظهرت عقب 2011 و2014، والتي توزعت فيما بينها على مناطق البلاد بعد إسقاطها للنظام وتدميرها مؤسسات الدولة بهدف وصولها الى أهدافها المرسومة وفقًا لمخطط الفوضى والمؤامرة الخارجية، لتستحوذ على مقدرات البلاد وتوزيعها حصصًا فيما بينها.

وبعد مرور 13 عاما على فوضى إسقاط النظام وتدمير الدولة، أصبحت البلاد في حالة انهيار كارثي فيما يتعلق بحياة المواطنين، نتيجة النهب المنظم لإيرادات الدولة والفساد الذي تمارسه قيادات عصابات الفوضى الموزعة بين الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب.

معادلة أذهلت العالم 
وتشير المعلومات الى مقدرات اليمن الغنية بالعديد من الموارد النفطية والغازية والمعدنية والأسماك والزراعة والصناعات التحويلة، ورغم ذلك دفعت أدوات الفوضى البلاد نحو الفقر والمجاعة جراء نهبها كل مقدرات البلاد المشار إليها سابقًا.
وتحدثت مصادر متخصصة في التنمية، عن امكانيات اليمن الطبيعية التي تجعلها من الدول الغنية في حال تم استغلالها وتوظيفها لصالح التنمية وتوفير الخدمات العامة للمواطنين، كما كانت تفعل الحكومات اليمنية قبل فوضى 2011، والتي حققت استقرارا معيشيا للسكان، وتنمية شاملة في جميع المجالات والتي حققت نقلة نوعية خلال العشر سنوات التي سبقت فوضى الإخوان والحوثيين.
وحسب تلك المصادر، فإن اليمن تمتلك 7 موانئ مع شريط ساحلي لأكثر من 2500 كم، واحتياطي نفط يُقدر بثلاثة مليار برميل (المثبت فقط) وفقًا للاستكشافات النفطية التي جرت في عهد الدولة اليمنية الحقيقية التي تآمرت عليها أدوات الفوضى والمؤامرة، كما تمتلك احتياطي غاز يقدر بـ 16 تريليون قدم مكعب، ما جعلها ثالث بلد عربي في إنتاج الغاز المسال.
ووفقًا للمعادلة الطبيعية، تملك اليمن ثروة سمكية تضم 450 نوعًا من الاسماك المتنوعة والنادرة، الى جانب امتلاكها 186 جزيرة متنوعة ذات مقومات سياحية فريدة، خاصة وانها تتميز بمناخ وطبيعة سياحية نادرة، وتاريخ وآثار وحضارة متميزة.
كما تملك ثروات معدنية مختلفة كالذهب والفضة والزنك والفوسفات وأخرى تدخل في صناعة التعدين التي بدأت حينها في بناء مصانع انتاج الاسمنت والجرانيت والسراميك واحجار الزينة والعمارة.
وتضم المعادلة أيضًا، أيادٍ عاملة متخصصة ومتنوعة باعتبار ان ثلاثة أرباع السكان من الشباب، فضلًا عن امتلاكها أراضي زراعية خصبة، وأمطار موسمية غزيرة جعلت الحكومات السابقة تتجه للاستفادة منها في بناء السدود العملاقة والنوعية في مناطق متفرقة من البلاد.
ومع ذلك كله عمدت أدوات الفوضى الى جعل البلاد تعود الى عصور التخلف والمرض والجهل والخرافة، من خلال تدمير المنشآت التعليمية، والسيطرة ونهب المنشآت الاقتصادية وتحويلها الى أملاك خاصة بتلك الجماعات، فضلًا عن سيطرتها ونهبها المتواصل لإيرادات مؤسسات الدولة المختلفة وتوزيعها على قيادات وعناصر تلك العصابات المتخصصة في الفساد والنهب.
ورسمت تلك المعادلة الاقتصادية العظيمة معادلة غير منطقية أمام العالم والدول المانحة، جعلت من اليمن ذات تلك المقومات والامكانيات الاقتصادية "أفقر بلد في العالم"، يفتقر شعبه لأبسط الخدمات، واغلب موظفيه بلا معاشات، والغالبية العظمى لسكانه بلا أمن غذائي او معيشة آمنة.

تقارير دولية مفجعة
ومن خلال تتبع صدور التقارير حول الوضع الانساني والغذائي والاقتصادي في اليمن، خلال السنوات التي تلت فوضى 2011 وانقلاب عصابة الحوثي الايرانية في 2014، يجعل المتابع للشأن اليمني في حيرة من أمره، كيف بلاد بتلك المقومات والامكانيات، وشعبه يموت من الجوع ويفتقر لأبسط مقومات الحياة؟
وبالرجوع لتشخيص الواقع وفقًا لمختصين في الاقتصاد والمال، يجد ان اسباب ما وصلت إليه البلاد من تدهور في شتى المجالات وتدهور سعر العملة المحلية "الريال" يقف وراءها عصابات نشأت وتوزعت المهام فيما بينها للسيطرة على الاموال والمناصب، بعد الفوضى والانقلاب.
ووضع المختصون مقارنات عدة نشروها في حساباتهم على مواقع التواصل وفي وسائل اعلام محلية خلال الفترة الماضية، تؤكد بأن البلاد كانت أفضل حالًا ومستقرة اقتصاديًا وماليًا وعسكريًا وسياسيًا، وخدميًا وفي الحريات العامة والخاصة، وفي شتى مجالات الحياة، وانه لا يمكن مقارنتها بما تعيشه من أوضاع متدهورة في جميع المجالات حاليًا.

نهب وفساد منظم 
وتحدث المختصون عن عمليات النهب المنظم التي تمارسه تلك الأدوات والكيانات التي افرزتها الفوضى والانقلاب، والحروب التي تلت ذلك والمستمرة حتى يومنا هذا خدمة لدول وأجندة ومخططات خارجية.
ومن بين تلك العمليات التي أدت الى ما وصلت إليه البلاد اليوم، وفقًا للمختصين، عمليات النهب المنظم للأموال العامة وايرادات المؤسسات كالموانئ والمنافذ وقطاعات النفط والغاز، والضرائب والجمارك وعدم توريدها الى البنك المركزي الذي بات هيكلًا صوريًا لا يمتلك احتياطيًا من النقد الأجنبي وليس لديه القدرة على تنفيذ السياسات المالية التي تفرزها تلك الكيانات الفاسدة.
وحسب المعلومات التي تناقلتها صفحات المختصين وتصريحاتهم في وسائل الإعلام، فإن جميع إيرادات المناطق المحررة لا يتم توريدها الى البنك المركزي في عدن، في حين عمدت عصابة الحوثي في مناطق سيطرتها على تحويل جميع الموارد والقطاعات الاقتصادية لصالح عناصرها من الأسر المقربة والمحسوبة على زعيم العصابة عبدالملك الحوثي والطائفة الاثنى عشرية المرتبطة بالنظام الايراني.
وحسب المعلومات التي نشروها، فإن ايرادات مبيعات نفط وغاز مأرب والضرائب والمنتجات الزراعية وجميع الموارد العامة في المحافظة إلى جانب ايرادات محافظة تعز تذهب لجماعة الاخوان "حزب الاصلاح"، فيما ايرادات حضرموت وشبوة والمهرة وعدن وابين والضالع ولحج وسقطرى، تذهب مباشرة لصالح مكونات المجلس الانتقالي الجنوبي المختلفة.
وكما هو معروف أيضًا فإن جميع ايرادات موانئ الحديدة، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين كصنعاء والجوف ومعظم مناطق مأرب وتعز، والبيضاء والمحويت وذمار وإب وحجة وريمة، تذهب لحسابات خاصة بقيادات عصابة الحوثي يشرف عليها عبدالملك الحوثي والحاكم الايراني في صنعاء علي رمضاني مباشرة.

نهب المساعدات والمنح
ولم يقتصر فساد تلك المكونات الفوضوية على نهب مقدرات الدولة اليمنية التي جاءوا عليها، بل امتدت لنهب المساعدات الانسانية الغذائية والدوائية، المقدمة من المنظمات الدولية والبرامج الأممية كبرنامج الغذاء العالمي، لصالح عناصرها الارهابية كما هو الحال بالنسبة لعصابة الحوثي الايرانية في مناطق سيطرتها، وحرمت المحتاجين من المواطنين الذين أوصلتهم الى حالة الفقر والجوع من تلك المساعدات.
وأما في المناطق المحررة تؤكد جميع التقارير بأن جميع المنح والمساعدات والبرامج المالية المقدمة من مجتمع المانحين والدول الشقيقية، تذهب مباشرة الى حسابات شلل تتبع مجلس القيادة الرئاسي المتواجدة خارج البلاد، والتي تتمتع بامتيازات معيشية واقتصادية نوعية، فيما يتم حرمان المواطنين في المناطق المحررة من توفير ابسط مقاومات الحياة المتمثلة في خفض اسعار السلع الاستهلاكية والغذائية، وصرف المرتبات بما يعادل نصف ما يتم صرفه من مرتبات لتك الشلل المتواجدة خارج البلاد.
وحسب المراقبين للشأن الاقتصادي والانساني المتدهور في البلاد، فإن ما نسبته 80 بالمائة من المساعدات الانسانية والمنح المالية التي قدمت لليمن واليمنيين خلال الفترة الممتدة من 2015 حتى منتصف عام 2024 الجاري، ذهبت كلها الى كيانات تقود الصراع الدائر منذ عقد ونيف في البلاد.
ووفقا للمراقبين، فإن التقييمات الدولية لتلك المنح والمساعدات والبرامج الأخرى التي قدمت خلال تلك الفترة، دفعت مجتمع المانحين إلى عدم الاحجام عن التعامل مع تلك الكيانات التي زادت في ثرائها على حساب المواطنين واحتياجاتهم الخدمية والانسانية، فيما تسببت عصابة الحوثي بشكل مباشر في توقف العديد من البرامج الانسانية للمجتمع الدولي نتيجة تصرفاتها فيما يتعلق بالعاملين في تلك المنظمات، وتدخلها المباشر في عملها ونهبها للمساعدات المقدمة وتوزيعها على عناصرها الارهابية التي تقود حروب ضد اليمنيين الابرياء.

خبايا الإيرادات 
وتحدثت العديد من التقارير المتداولة حول اسباب الازمات الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة المحلية مؤخرًا، حول خبايا نهب الايرادات التي يجهلها السواد الأعظم من اليمنيين، والتي يتم نهبها بطرق منظمة وشبكات فساد يقودها كبار المسؤولين عن توفير الخدمات وحياة كريمة للمواطنين.
وكشفت تلك التقارير عن وجود حسابات بنكية في بنوك خارجية كالبنك الاهلي السعودي، وبنوك وشركات صرفة محلية، بالنسبة لعصابات الفوضى في المناطق المحررة.
ومن تلك الخبايا، ما يتم توريده من منفذ شحن في محافظة المهرة من مبالغ شهرية تقدر بنحو 47 مليون ريال سعودي شهريا تودع شهريا في حسابات خاصة بشركات القطيبي للصرافة وشركة عدن، والبنك الاهالي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن وكلها تصب لصالح قيادات في المجلس القيادة والحكومة التابعة لمكون الانتقالي الجنوبي.
أما بالنسبة لايرادات ميناء عدن، فإنها تتوزع بين جميع المكونات المشكلة للحكومة الشرعية في عدن ،وفقًا للتقارير والمعلومات، مؤكدة ان جميع اطراف الشرعية بلا استثناء متورطة في عمليات فساد خاصة فيما يتعلق بشراء الطاقة الكهربائية وخدمة الكهرباء في عدن التي يتم عبرها تمرير صفقات فساد بملايين الدولارات شهريا وسنويا.
وفيما يتعلق بما تقوم به عصابة الحوثي من عمليات نهب ومصادرة للأموال العامة وتحويلها عبر عمليات غسيل اموال قذرة بين مراكز القوى التي تديرها في خارج البلاد ومناطق سيطرتها والتي تصب مباشرة لصالح ايران واذرعها في المنطقة.
تؤكد التقارير ومن بينها تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الامن المعنية باليمن، بأن عصابة الحوثي تمتلك شبكة تمويل خاصة بها تديرها بالشراكة مع عناصر ايرانية من الحرس الثوري الايراني، وتصب في صالح الصابة الحوثية وجهات ايرانية.
وحسب المعلومات المتوفرة، فإن عصابة الحوثي لديها شبكة مالية تتبع اجهزة الأمن والمخابرات التي انشأتها مؤخرًا في صنعاء، تدير شركات تجارية ومالية في عدد من الدول بينها دول خليجية، ترتبط تلك الشركات التجارية بعمليات غسيل اموال العصابة وايران، وعملياتها المشبوهة كالدعارة والمخدرات وتهريب الاسلحة.

ضياع اكثر من تريليون ريال 
وخلال اليومين الماضيين تحدثت تقارير حكومية حول تعثر 76 مشروعًا خلال السنوات التي تلت الفوضى، بقيمة اجمالية تقدر 5 مليارات دولار، تسببت في ضياع حوالي 5 مليارات دولار أمريكي، أي ما يعادل 1.025 تريليون ريال يمني.
تلك المبالغ تم رصدها في اطار قضايا فساد ممنهجة لصالح مشاريع في الطرق والكهرباء، تم انفاقها وفقا لعقود موثقة عبر تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ولم يتم محاسبة المسؤولين عن ضياعها ونهبها.
وحسب مراقبين فإن ضياع حوالي 5 مليارات دولار مبلغ كبير جدا، يتطلب التوقف عليه بجدية لمعرفة كيف اهدر هذا المبلغ، ومن المسؤول عن ذلك بشكل مفصل ومسؤول ويتم فتح تحقيقات ليس محليًا فقط بل يتم الاستعانة بخبراء دوليين في ذلك، حيث أن جميع القوانين والتشريعات تم اللعب فيها وتمييعها من قبل قوى الفوضى والانقلاب خاصة فيما يتعلق باللوائح والتشريعات المنظمة للعمل الرسمي في اطار فساد ممنهج يتم ممارسته من قبل تلك المكونات خلال عقد ونيف من الزمن.

تساؤل مثير؟
وطرحت فيما يتعلق بتلك المشاريع المتعثرة العديد من التساؤلات، كان أبرزها سؤول حول طبيعة ونوع تلك المشاريع التي تم رصد مبالغ كبيرة لها تجاوزت 5 مليارات دولار في موازنة لـ 76 مشروعا فقط؟ أي موازنة كل مشروع 65.79 مليون دولار، ما يعادل بالريال اليمني 134.87 مليار ريال، بسعر صرف 2050 ريال للدولار.
ومن تلك التساؤلات، أي مشاريع تلك التي يعتمد لها موازنات بهذا الحجم، وكيف اعتمدت الموازنات واين مناقصات الإرساء؟.. أسئلة كثيرة يجب البحث عن اجابات لها لإزالة الأغطية التي تحجب روائح فساد تزكم الأنوف.