على مشارف الخمسين

قبل 3 ساعة و 24 دقيقة

لا أجدُ نفسي كبرت، لا أشعر بذلك في داخلي، ولا أراه في انعكاس صورتي بالمرآة..

الانفعالات والمشاعر والاتجاهات هي ذاتها التي كنتها في مقتبل العمر، وإن بتحولات طفيفة.. وعندما أقف أمام المرآة -وكثيرًا ماأفعل مؤخرا- لا ألحظ سوى تغيُّرات بسيطة في ملامح وجهي.. أراني دائما كما كنت بدايات الشباب.. فقط أجد الحقيقة المؤلمة حينما أنظر في صوري الفوتوغرافية.. وفي وجه أمي.. !!

أمامي القليل لأصل الخمسين، هذه هي الحقيقة التي طالما تجاهلتها، وأُعميت عينيَّ عنها.. مبادئ الرياضيات والحساب العددي لا تكذب، إلا أن مشاعرنا واتجاهاتنا تفعل.. فنحن لا نرى حقيقتنا في المرآة، بل ما نرغب أن نكون، أو نحافظ عليه.    

وبقدر ما تفاجئني صوري الفوتوغرافية والتجاعيد التي شقت طريقها تباعاً لوجهي، أسعى جاهداً لإنكارها، وأفترض أنها عرضية زائلة بفعل "السكر" لا دائمة جراء تعاقب  السنين.

وحدها أمي من ظلت تلومني طوال سنين مضت، كلما وقفت أمامها، بضرورة الحفاظ على صحتي و إجراء الفحوصات الطبية باستمرار.. وعندما أحاول طمأنتها بأن صحتي جيدة وإن لا داعي للمبالغة، كانت تجيبني بحدة صارمة : "شوف وجهك، كله مُعَطّفْ".. كان وجه أمي ولا يزال، مرآةً تعكس بصدق حقيقة وضعي الصحي.

لا أخشى الموت، بعدما أعتدت مداهنته ومصاحبته، ونجوت منه ثلاث مرات، الأولى: حين تجاوزت مستويات السكر حاجز المسموح والمعقول، آنذاك كدت أفقد نظري، وعلا وجهي الشحوب الممقوت للموتي.. والثانية: عندما تعرضتُ لجلطة لم أشعر بها وإن ظهرت دلائلها في تعرق شديد غير معتاد، ربما لأنها خفيفة، أو لأن داء السكر حال دون الشعور بآلامها.. فيما التالية كانت، حادة وقوية، استشعرت وجعها في جميع مسامات جسمي، والأصعب، دخولي عدة غيبوبات متقطعة لحين بدء العملية.

الموت لا يخيفني.. أظن أن لا ألم ولا وجع فيه ولا بعده، لكنه يحزنني أشد الحزن، فليس يسيراً مفارقة الأهل والأحباب والأصحاب، وكل ما هو جميل، لنتحول إلى اللاشيء، بعد أن عشنا كل شيء..  لكنها سُنَة الله وحكمته التي أقتضت الفناء لدنيانا لصالح حياة أخرى خالدة.