هجرة اليمنيين "تهريب" .. الهروب من الموت إلى الموت
عندما تكون الكلمة للجوع وللرصاصة، لا يعود الوطن مكاناً يصلح للبقاء.. معادلة صعبة استنتجها الكثير من اليمنيين خلال عشر سنوات من الحرب، وتحت ضغطها، اختار مئات، وربما آلاف الشباب طريق الهجرة، بحثًا عن حياة آمنة.. لكن ما لم يفكر به أي منهم هو أن الهروب من جحيم الحرب، بداية رحلة إلى موت آخر مُحتم، فلا فرق بين أن تموت بصاروخ أو قذيفة أو لغم أو أن يبتلعك بحر هائج في طريق الهجرة.
نزوح إجباري
تقول منظمة الهجرة الدولية عن المهاجرين غير النظاميين عبر موقعها: "إن التحركات المختلطة (أو الهجرة المختلطة) تشير إلى تدفقات الأشخاص الذين يسافرون سوية، بطريقة غير نظامية على وجه العموم، على نفس الطرق وباستخدام وسائل النقل نفسها، ولكن لأسباب مختلفة، ويجد الرجال والنساء والأطفال الذين يسافرون بهذه الطريقة أنفسهم إما وقد أُجبروا على النزوح من منازلهم بسبب النزاعات المسلحة أو الاضطهاد، أو أنهم يتنقلون بحثاً عن حياة أفضل".
وجهان لحرب واحدة
النزوح والتهريب وجهان لحرب واحدة، خطان يلتقيان عند هدف واحد، الهروب من الخوف والرعب لخوف أدهى وأمر ولمجهول لا يرحم البؤساء، بهذه الكلمات ابتدأ أحمد عيسى حديثه والذي أضاف بأن: "الذي يموت غرقًا في البحر وهو فار من بلاده ليس إلا مثالًا وصورة لشعب يغرق بمآسيه وهو ماكث في جحيم بلاده. فنحن نغرق كل ثانية ملايين المرات، نحن نموت ونتشرد ولا يبالي بنا الوطن الذي يطرد أبناءه خارج حدود الحياة".
شباب يشبهون العطر تتقاذفهم الأمواج وتتلقفهم الصخور، تأكلهم الحيتان وترمي بفتاتهم على الرمال مجهولي الوطن والهوية.
الموت بردًا
شباب لم يعودوا يهابون الموت بعدما أصبحت الحياة أشد إيلامًا من الموت نفسه.
حيث أفادت سفارة اليمن في ألمانيا، أن ثلاثة يمنيين لقوا حتفهم إثر الصقيع أثناء عبورهم الحدود البيلاروسية، هربًا من الحرب والأوضاع المتدهورة في بلدهم.
ضربة حظ ومعاناة
أحيانًا يحالف الحظ بعض اليمنيين المهاجرين وينجون بعد معاناة مع حرس الحدود، وأحياناً كثيرة يُقتلون.
يقول عبدالله الهاشمي، شاب يمني هاجر عن طريق التهريب: "كان سفرنا ضربة حظ إما أن ننجو ونعبر الحدود أو يتم الإمساك بنا، وهنا تبدأ المعاناة أو بأغلب الرحلات يموت الإنسان دون رحمة، فعلى أحد حدود الدول الأوربية تم الإمساك بمجموعة من الشباب أصدقائنا المهاجرين وتحت وطأة الضرب والتعنيف من قبل حرس الحدود يتم تجريدهم من ملابسهم وتركهم كما خُلقوا عرايا، ويتم ضربهم ليُغمى على بعضهم من شدة الألم الذي يتعرضون له".
وبضيف الهاشمي: "لكم أن تتخيلوا إنسانا بجسد هزيل لا حول له ولا قوة مجرد من ملابسه كاملة دون استثناء ويخضع للتعذيب والضرب في جو شديد البرودة ودرجات حرارته تحت الصفر بكثير، والمؤسف أيضا تجرُد أولئك الحرس في الحدود من كل معاني الإنسانية والشفقة فبعد أن يُغمى على المهاجر من شدة الضرب يعملون على إيقاظه بأية وسيلة ويُعاد تعنيفه وضربه، وتركه يعود من حيث أتى بهيئته هذه (عاري من الملابس، منزوع الكرامة)، مُعرّض للحيوانات المفترسة في الغابات والصحارى التي يسير بها، وسلب كل ما يملكه من نقود أو تلفونات وملابس.
العودة بإصرار
زميل عبدالله الهاشمي ورفيق رحلته في الهجرة خالد وهاب يقول: "رغم كل ما يحدث للمهاجر من ويلات كما تحدث بها صديقي عبدالله إلا أننا نعود وبإصرار وعزيمة بعد لملمة ما يمكن لملمته من بقايا إنسان فينا لنعاود الكَرة تلو الأخرى لمحاولة الوصول لنقطة الهدف المنشود، تاركين حياة ووطنًا لم يكن رحيما بنا، لا يختلف كثيرًا عن البحر وليس إلا بحر غادر كبير.
طريق الهجرة
يقول الصحفي جمال محمد: في زمان الأولين في اليمن الرحلات الخارجية للآباء والأجداد كانت تجارية بحتة وكان اسم اليمن مرتبطا بالتجارة العالمية لما امتلكته بلادنا من طرق رئيسيه للتجارة العالمية وتصدير المنتجات.
ولكن للأسف أصبح اسم اليمن اليوم مرتبطًا بالحرب وطرقه البحرية الرئيسية اندمجت بشكل أساسي بالنزوح والهروب للهجرة واللجوء للدول الغربية والأفريقية.
تغير في المعادلة
واليوم تغيرت المعادلة. هكذا أضاف الصحفي جمال الحديث، حيث أكد أنه بعد أن كانت اليمن الملاذ الآمن والوجهة الرئيسية للمهاجرين الأفريقيين، أصبح اليمنيون يهربون من ويلات الحرب والصراع على السلطة في بلادهم إلى الدول الإفريقية.
فبعد أن نسيهم الوطن ولصوص الوطن. بعد أن جاعوا ومرضوا وناموا على الأرصفة وبردوا وعطشوا، لم يعودوا يهابون الموت وصاروا أكثر جرأة على مجابهته بعد أن يئسوا من مواصلة الجوع والفقر والبطالة في أوطانهم.
الهجرة الناعمة
من جانبه تحدث المحلل السياسي موسى المقطري قائلًا: "السفر تهريب هو أحد الآثار السلبية للحرب، فالذين يهربون اليوم هم شباب وطاقة المستقبل، للأسف أننا نفقد جزءًا منهم في البحار والطرقات.
إضافة إلى ذلك هناك هجرة لا نلاحظها ولا تظهر على السطح، نلاحظ فقط الذين يتهربون ثم تحصل حوادث، هناك هجرة ناعمة، فكثير من القدرات في كثير من المجالات هاجرت للخارج للبحث عن عمل، لأن الوطن صار ضيقًا على الجميع. فنحن لا نفقد أفرادًا، بل نفقد قدرات وأدمغة. والحل لكل ذلك، أن تتوقف الحرب ويُعاد بناء الدولة من جديد وباستطاعتها حينها أن تضع حلولًا لمثل هذه الإشكالات".
أخيرًا .. يبقى السؤال الأهم الذي يراود كل مهاجر يمني: إلى متى سيظل الوطن يلفظنا ويطردنا بعيدًا للموت؟!.