على جدارية الانتظار اليمني!

قبل 6 ساعة و 7 دقيقة

صدقوني نحن في بلاد حتى إن خرجت صرخات الغلاء الفاجر من جحور المواطنين فلن يرق قلب اللارشاد اللاعليمي وأعضاء مجلسه، وحكومة بن اللامبارك المترفين فشلاً، وتوهاناً، المتخمين خيانةً لواجباتهم، وغياً، وضلالاً في حكمهم.

لا أحد منهم يسمع صرخات التعذيب اليومي الذي ينهال على أغلب اليمنيين الذين يتجرعون إزدياد جحيم الغلاء الفاحش.

لقد ماتت كل الأحاسيس في نفوس قادة ومسؤولي هذا البلد.. لا أحاسيس وطنية، ولا إنسانية، ولا أخلاقية لديهم.. قلوبهم قُدت لا من صخور الجبال، فمن الظلم تشبيه الصخور بقلوبهم لأن عيون الأنهار لا تنفجر إلا من بين أصلب الصخور، أما هؤلاء فمن لا شيء معلوم تُقدُ أفئدتهم المتحجرة بالعبثية، والخبث، والغباء الفاقع، والإصرار على الفجور اللانهائي لمواصلة الإرهاب المعيشي، والإجرام المدقع في رفع عداد الفقراء، والجائعين، والمرضى، وقتل كل شيء جميل باق في هذا الوطن المنكوب بالتكالب عليه داخلياً، وخارجياً.

لا خير يرجى من مسؤولين، لدينا يقين مسبق من فشلهم طوال وجودهم سواء في السلطة أو خارجها... لا خير يرجى ممن خبرنا فسادهم، وعندنا بهم ذِكْرٌ مبين.

إذن، ما الحل؟، واين المخرج، والمفر؟
أقول لمن يكتفي بالبكاء، والعويل، صدقني لا ولن يسمعك أحد.. لا جدوى لتقبل واقعك الضنك، الصمت حياله، والاكتفاء بالصراخ.
أسأله: متى سترتوي يا هذا من تجرع مرارات الإهانة والإذلال؟!
متى؟ متى؟، متى؟.

إذن، تذوق جوعك، عطشك، قهرك، ومُت بحسرتك لأن الاستحقاق الأوحد الذي تستحقه هو المحو من وجه الحياة.
ولأنك على نفسك قد صرت عالة فاخرج مذمومًا مدحورًا من هذا الوقت، واركب فوق أمواج البحار كأسلافك الذين بنوا أمجادهم هناك، هناك خلف البحار، في أثيوبيا وكينيا، واندونسيا وغيرها من أصقاع الأرض.

لكن ،نعم، لكن، تريّث إني أتراجع عن حثك بركب الأمواج وأحذرك من ذلك.. لماذا؟، لأن ما خلف البحار لم يعد كما كان في عهد أسلافك، وصورة اليمني لم تعد كصور أسلافه.. كل أمكنة الأرض ما عادت تنتظر قدومك.
الوقت تغير كثيراً،  الأمكنة تغيرت اكثر، وكل شئ تغيّر أكثر فأكثر.

زاد أجدادك كما رأى فقيد الأدب والتاريخ مطهر الأرياني في قصيدته (البالة) التي شدا بها المرحوم علي السمه .. كان زادهم مع اللقمة ريالًا أو ريالين حجر يحملونها فوق أكتافهم، فإذا امتطوا ساعية يلقى بهم ربانها بأماكن الماشية، وجوار جلود الأبقار..
ومع ذلك ظل اجدادك ما إن تحط رحالهم على شواطئ الأرض حتى يشرعوا ينقشوا وجودهم بأزاميل الصبر على صخرات الكفاح، وهناك ثانية يولدون بهيئات، وحللٍ إنسانية جديدة، وكثيرون بينهم ما فتئوا يحلمون بالعودة إلى اليمن، ولكنهم ماتوا غرباء، حد وصف رائد التجربة السردية في اليمن الاديب الشهيد محمد احمد عبد الولي.
أما أنت، وأنا، وهو فلم يعد مرغوبًا بنا البتة!.

هل تعرف من هم الذين يستطيعون مغادرة هذه البلاد؟،. الملاعين أبناء الملاعين.
أولئك الذين عبثوا بهذه الارض، هم وحدهم من سيلوذ بالفرار.. وحتى وهم فارين لن يتركونا بحالنا نقرر مصير العاجزين عن الرحيل.
سيبقى أولئك الملاعين من بعيد يعبثون بالبلاد، وباقي العباد لأنهم لا يستطيعون العيش إلا على خراب كل شيء على ظهر هذا الوطن..
الفارق كبير بين أسلافنا الذين هربوا من جور الزمان وظلم الأئمة حكم اليمن، وبين جيلنا هذا.
أسلافنا نجحوا فى مهاجرهم، وصاروا تجارّا كبارًا، وأسسوا من هناك الأنوية الأولى لحركة الأحرار الوطنية التي تكللت تأثيراتها لاحقاً بولادة الجيل الذي أطاح بحكم الأئمة، وطرد الإحتلال.. اما جيلنا فقد أخذ ثروته وأمواله، وهرب خارج البلاد.
أسلافنا هربوا لأنهم كانوا يبحثون عن فرص الحياة من اللاشيء.
جيلنا هرب للبحث عن فرص أفضل للحياة بعد أن نهبوا كل شيء..

أسلافنا هاجروا لأفريقيا، وجنوب آسيا، وبعض عواصم اوروبا، ولم يكن معهم شيئاً ما غير ملابسهم القديمة البالية المرقعة.
جيلنا هاجر الى مدن تركيا ومصر ولبنان، وعمان، وقطر والرياض وابو ظبي، وعواصم امريكية، وأوروبية، ومعهم كل أموالهم، ومجوهراتهم، والكثير منهم بما سرقوه وما زالوا يسرقونه من الفتات المتبقي لهذا الشعب.
وما أزمة انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية إلا صورة من صور النهب والسرقة والاستغلال الذي لا ولن ينتهي باستمرار ارتفاع غلاء الأسعار.
أغلب الفارين اليوم في تلك العواصم إن لم يكونوا تجار الحرب فعلى الأقل يكونون سدنتها وخدامها..إنهم تجار الخراب حلّوا هنا أو رحلوا هناك.

امر آخر في غاية الأهمية يجب أن تنتبه إليه... كان أجدادك أينما نزلوا، وحلوا كالنجوم يُستبشر بظهورهم أما نحن فسمعتنا تشوهت كثيراً ولم يمكث معنا أي احترام. شوهونا أولاد الخناء العربي والعالمي الجُدد.
لقد صارت كارثتنا أن آمالنا أعظم من اليأس.. لو كان اليأس أعظم من الأمل ربما نخرج من هذا الزمن الجني.

نحن أموات الحياة، وأحياء الموت.. نحن الأحياء الأموات، والأموات الأحياء.. بأعجوبة نزحف نحو الإهانة والتلف.

ولكن يبقى ثمة أمل.. هذا الامل يكمن كما قال الشاعر الخالد الذكر مظفر النواب مع تغيير بسيط في جملة من قصيدته الشهيرة "يا قافلتي":
لن يبقى يمني واحد
ما دامت حالتنا هذه الحالة بين حكومات الكتبة
إن هذا الشعب لا بد له أن يأخذ درساً في فن التخريب.
والتخريب الذي أقصده هنا.
هو الانقلاب على هذا الواقع المزري بقلب الطاولة على الجميع في الداخل والخارج، في صنعاء وعدن وكل مدننا اليمنية.
تخريب كل السياسات التي تعبث بأمر ومصير هذا البلد.
ما لم يقم الشعب بهذا التخريب فلن يبقى له شيئاً يستطيع أن يحيا لأجله في هذا الوطن.