Image

ارتباط وثيق بين ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر .. تجسيد وحدة النضال اليمني ضد الاستبداد الإمامي والاستعمار البريطاني

مثَّلت ثورتا 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 المجيدتين محطتين حاسمتين في تاريخ اليمن، حيث جسدت الثورتان وحدة النضال اليمني ضد الاستبداد بجميع أشكاله.

في شمال الوطن، أسقطت ثورة 26 سبتمبر النظام الإمامي الكهنوتي الذي جثم على صدور اليمنيين لقرون، بينما انطلقت في جنوب الوطن ثورة 14 أكتوبر لتحرير اليمن من الاستعمار البريطاني.

جاء هذا الترابط بين الثورتين ليؤكد وحدة الهدف لدى اليمنيين في الشطرين، الذين توحدوا في مواجهة الظلم الداخلي والخارجي، وانتصارًا لحقوقهم في الحرية والاستقلال.

لقد توحدت إرادة اليمنيين في شطري الوطن  للنضال من أجل الحرية والكرامة، وصولًا إلى تحقيق الوحدة اليمنية التي طالما تطلعت إليها قلوب اليمنيين. حيث جاءت هذه الوحدة كتتويج طبيعي لجهود التحرير والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب في سبيل إنهاء عقود من التمزق والاستبداد، لتتحقق في 22 مايو 1990 كمنجز وطني عظيم.

النضال اليمني في ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 أظهر بشكل واضح وحدة الهدف في مواجهة الاستبداد الإمامي في شمال اليمن والاستعمار البريطاني في جنوبه.

كان أبناء اليمن في الشطرين متحدين في مواجهة التحديات المختلفة، مما ساهم في نجاح الثورتين وتحقيق الاستقلال والوحدة الوطنية.

بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن وسقوط الحكم الإمامي، انطلقت ثورة 14 أكتوبر في جنوب الوطن ضد الاحتلال البريطاني.

وكانت محافظة تعز "جنوب غرب اليمن" بمثابة نقطة التواصل بين الثورتين حيث ساهمت تعز في منتصف القرن العشرين كنقطة دعم لوجيستي وميداني لأبطال ثورة 14 أكتوبر من خلال فتح معسكرات تدريب وتوفير السلاح والإمدادات.

هذا الترابط بين النضالين، مكن المقاومين في جنوب الوطن من الانتصار لثورة ال14 من اكتوبر المجيدة و تحقيق استقلال جنوب الوطن من نير الاستعمار البريطاني ، في مشهد نضالي وطني يوثق وحدة الكفاح اليمني ضد الاستبداد بجميع أشكاله.

تشير مصادر تاريخية إلى أن ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، ارتبطتا بعلاقة نضالية متكاملة تجسد وحدة الهدف بين شمال اليمن وجنوبه في مواجهة قوى الاستبداد والاستعمار.

ففي الشمال، استطاع الثوار الإطاحة بنظام الإمامة الكهنوتي وإعلان الجمهورية، ممثلين بذلك تحولًا جذريًا في النظام السياسي والاجتماعي لليمن.

بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر، لم يكن اليمنيون في الجنوب بعيدين عن هذه التطورات، إذ أشعلت ثورة 14 أكتوبر شرارتها في جبال ردفان لمواجهة الاستعمار البريطاني الذي ظل لأكثر من قرن يهيمن على جنوب اليمن.

واحدة من أبرز مظاهر الوحدة النضالية بين الثورتين كانت مشاركة أبناء الشطر الجنوبي في الدفاع عن الجمهورية الوليدة في شمال اليمن، كما شارك أبناء الشمال في دعم الثورة التحررية في الجنوب.

ووثقت المصادر التاريخية هذه المشاركة المتبادلة، حيث ساهم أبناء الجنوب في القتال ضد فلول الإمامة شمالًا، فيما لعب أبناء الشمال دورًا محوريًا في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لمقاتلي ثورة 14 أكتوبر.

مدينة تعز، الواقعة في وسط اليمن، كانت القلب النابض لهذا التعاون النضالي. ففيها افتتحت معسكرات تدريب للمقاتلين من ابناء الشطر الجنوبي للوطن تحت إشراف القيادة المصرية- بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر- التي دعمت الحركات التحررية في اليمن والمنطقة العربية بوجه عام.

وكانت تعز نقطة عبور للأسلحة والمساعدات من الشمال إلى الجنوب، وهو ما ساهم في تعزيز قدرات الفدائيين الجنوبيين في مقاومتهم للاحتلال البريطاني.

لم يقتصر دور محافظة  تعز على الجانب العسكري فقط، بل كانت أيضًا مركزًا للنقاشات السياسية التي جمعت القيادات الثورية من الشمال والجنوب، مما ساعد في رسم استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

وشكّل نشاط ونقاشات الأحرار بمدينة تعز نقطة تحول كبرى في مسار العمل الوطني اليمني المتزامن مع المد القومي العربي الذي اجتاح المنطقة بزعامة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

ووفق المصادر التاريخية، فقد افتتح رسمياً أول معكسر لتدريب وإعداد أبطال ثورة 14 أكتوبر في تعز مطلع عام 1964، وكان هناك معسكرات للأحرار من قبل ذلك، وكانت تدار من قبل قيادة الجبهة القومية.

كما افتتحت الجبهة القومية مكتبها الرئيسي بمدينة تعز في 3 يونيو 1964 بحضور الرئيسان السابقين قحطان الشعبي وسالم ربيع علي والشهيد عبود الشرعبي وقيادات أخرى. وساعد وجود قيادات الجبهة القومية وقيادة القوات المصرية في مدينة تعز وتعاون أبطال 26 سبتمبر من إمدادات السلاح إلى ابطال ثورة 14 أكتوبر لمواجهة قوات الاحتلال البريطاني.

ونقلت أول شحنة أسلحة من تعز إلى منطقة ردفان في 9 يونيو عام 1964، وأرسلت شحنة ثانية في نوفمبر من ذات العام، وساعدت هذا الإمداد في إشعال ثورة 14 أكتوبر.

ومع تصاعد المقاومة المسلحة ضد القوات البريطانية، بات اليمنيون على مشارف تحقيق حلمهم في الحرية والاستقلال، الذي توج بإعلان الاستقلال الكامل في 30 نوفمبر 1967 ورحيل الاستعمار البريطاني.

إن النضال المشترك الذي جسدته ثورتي 26 سبتمبر و14 اكتوبر المجيدتين أسس لتحقيق هدف أسمى وهو الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990.

هذا الإنجاز التاريخي لم يكن إلا تتويجًا لتضحيات اليمنيين في نضالهم ضد الظلم، سواء من النظام الإمامي أو من الاستعمار البريطاني، إذ كانت الوحدة اليمنية حلمًا طالما راود الأجيال وهدفًا نضاليًا سعى إليه الجميع.