المساعي الإيرانية القديمة والجديدة بدعم الحوثيين للقضاء على الجمهورية

قبل 5 ساعة و 12 دقيقة

يعرف المستنيرون أن ثورة أيلول/ سبتمبر 1962 كانت محصلة تاريخية لحلقات كفاح متعددة، وطويلة ، وخلاصة نهائية لنضال شعبنا اليمني ضد حكم الأئمة في اليمن، ولذلك جاءت ثورة 26 سبتمبر شكلاً ومضموناً يمنية التخطيط، وطنية التنفيذ لا صنيعة أو تدبير خارجي.

بداية، انتصرت الثورة كحدث تاريخي في طرد الأسرة الحاكمة من صنعاء لكنها اضطرت أن تخوض ثمان سنوات حرب مع أسرة حميد الدين، وأذيالها التى في حال لم تجد دعماً لوجستياً من السعودية، وبريطانيا، وايران لما استطاعت أن تخوض ثمان سنوات ثورة مضادة ضد الجمهورية، ولكانت الدولة الجديدة قد قطعت أشواطًا كبيرة من التغيير والتطور في كافة المجالات..
ولما نشأت أيضاً قوى تقليدية ( جملكية) ظلت تعمل على إعاقة التحول السريع لليمن بالانتقال من دولة ملكية إلى دولة جمهورية ديمقراطية، ولما سعت -تلك القوى- إلى الإرتهان في أحضان الدول المعادية لقيام نظام جمهوري يمني حقيقي تكللت مساعيها في نهاية المطاف إلى قبول الجمهوريين بالمصالحة مع الملكيين في اتفاقية جده عام 1970م .

تلك الاتفاقية في مجملها ستظل تنتج اثاراً سلبية جمة _ لا يتسع المقام في هذا المقال لذكرها _ يكفي أن من ضمنها هذه الحرب العبثية التي نخوضها اليوم ضد المليشيات الحوثية منذ قرابة عشر سنوات.
نعم .. لقد كانت تلك الاتفاقية نقطة البداية الأولى التي عادت من خلالها الرجعية الإمامية إلى اليمن كرة ثانية، وإن تحت القبول بالنظام الجمهوري قبولاً صورياً لا ضمنياً، وما يؤكد ذلك ما صاغه أحمد محمد الشامي شاعر الملكية، ووزير خارجية البدر بعد اتفاقية المصالحه تلك:
بلغوا فيصل والقصور العوالي 
إننا اخوة كرام أشاوس
سنعيد الإمامة للحكم يوماً
إن بثوب النبي أو بثوب ماركس
فإن خابت آمالنا بنجدٍ 
فلنا اخوة كرام فارس
أبيات شعرية تعكس الموقف من تلك المصالحة، وتعلن صراحة أنها ستستعيد الإمامة بأي وسيلة، أكانت وسيلة النبي المتمثلة برسالته الإسلامية أو بوسيلة التمركس أي المتمثلة بنظرية ماركس الشيوعية، فكل السبل مشروعة ما دامت ستنجح في استعادة الإمامة.

دعونا نعيد إذن النظر ونسلط البحث في جذور أسرة الحوثي فماذا سنجد؟
سنجد ببساطة أن قائد جيش الإمام أحمد في الخمسينيات ينحدر من أُسرة الحوثي ، ويدعى  محمد الحوثي ، ولعب دوراً كبيرا في إفشال ثورة 31 مارس 1955م التي قادها  أحمد يحيي الثلايا، ومحمد قائد سيف القباطي ضد الإمام في تعز.
                                      
إذن، اسرة الحوثي كانت في الأساس جزءً ومكوناً مهمين في نظام حكم بيت حميد الدين.. لليمن، وخلال فترة السنوات الثمان ،الحرب بين الجمهوريين، والملكيين كانت منطقة (حوث) في صعدة هي أحد أهم المراكز التي يدير منها البدر قواته، وجيشه، والمرتزقة المستأجرين من دول أخرى لإسقاط الجمهورية.
                                     
وليس غريباً على من يقرأ بتمعن تاريخ اليمن المعاصر قراءة معمقة ومتفحصة لكثير من الكتب والسير الذاتية لمناضلي الحركة الوطنية اليمنية، وللمؤرخين يمنيين وعربًا، وأجانب، سيكتشف بسهولة أن الحوثيين عندما ظهروا على مسرح الأحداث في اليمن لم يكونوا إلا امتداداً سلاليًا ، ووراثيًا لحكام الأئمة في اليمن، وإلا ما الذي يجعله -أي الحوثي- دون غيره من الأسر الهاشمية السياسية يتزعم مشروع استعادة حكم اليمن والسيطرة عليه؟
وهل فقط دعم إيران له في سبيل مشروعه هو دعم يتصل بمشروعها في المنطقة؟
                              
لقد لفت انتباهي على هامش الذكرى الـ62 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة الحضور الإيراني القوي لوئدها في مهدها حيث تشير المصادر التاريخية أن انتصارات الملكيين في معاركهم مع الثورة في يونيو 1965 يعزى إلى " زيادة حجم المساعدات العسكرية الخارجية من السعودية، وايران، والسلطات البريطانية في عدن، وازدياد أعداد المرتزقة الأجانب من إيرانيين وبلجكيين ، وفرنسيين ، وبريطانيين ، فوصل عددهم حوالي 300 مرتزق ، عملوا على تكوين جيش منظم، وأداروا أجهزة الاتصالات بشكل سليم، أدى إلى تواصل جبهات القتال ببعضها وبقياداتها، ووضعوا الخطط العسكرية ، وأشرفوا على تنفيذها ، واستخدموا الأسلحة الحديثة بشكل دقيق ( انظر الصراع الجمهوري الملكي في اليمن وأبعادها العربية والدولية 1962 ـ 1970 اطروحة دكتوراة للباحث عبد الحميد عبد الله حسين البكري _ص128ـــ ).
إن المفارقة التي استنتجتها خلال انتباهي هنا هي:

إن موقفا إيران الشاه، وايران الخميني لا يختلفان في نظرتيهما لليمن، والمتمظهر في استعداء أي تغيير قد يحدث، ويتجلى ايضاً في محاربة ثورة سبتمبر، والجمهورية على حد سواء.
ففي حين دعم شاه إيران الملكي بقوة الإمام المطرود (البدر) لإسقاط الثورة، والقضاء على الجمهورية، واستعادة حكم اليمن يدعم اليوم خامنئي ايران عبد الملك الحوثي دعماً لوجستياً  للغرض ذاته.
وكلا الموقفين لا يختلفان كثيرًا عن بعضيهما فكلاهما ايران الشاه أو ايران الخميني، موقفان يسعيان إلى إسقاط الجمهورية واستعادة الحكم السلالي الإمامي لليمن.

إن هذا الأمر ليس له من معنى أو تفسير سوى أن مواقف إيران مهما اختلف نظام الحكم فيها لا تختلف نظرتها لليمن، فهي ضد أي توجه لليمنيين في تقرير مصيرهم، وكأن اليمن في عقيدة الايرانيين لا يجب أن تكون إلا إمارة إمامية دائمة، وتابعة لها.
ذلك ما يجب أن ندركه من ان إيران لا، ولم، ولن يكون فيها أي خير يرجى لليمن، واليمنيين بأي وقت أو حين.


وأمام الذكرى الـ62 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر شاهدنا كيف أن الحوثيين لم يدخروا وسيلة إلا واستخدموها بغية التخلص من رمزية ثورة 26 سبتمبر في الذاكرة اليمنية باعتبارها الحدث التاريخي الأكبر الذي قضى على حكم الأئمة.
إن كراهية الحوثيين لهذه الثورة وذكراها الوطنية هي كراهية تؤكد على عظمة الثورة، وقيمتها الكبيرة في وجدان اليمنيين الذين ينظرون إليها نظرة إجلال، وفخر باعتبارها الحدث الأبرز في التاريخ اليمني لمقاومة السلالية ومشروعها الفارسي، ولهذا رأيناهم مرعوبين مذعورين خائفين من أحتفال الناس بذكرى الثورة فهو اليوم الذي لم تواجه الطائفية الهادوية مثله منذ أسس ( الرسي) سلاليته قبل عشرة قرون في صعدة.. 
وعليه، فالحوثيين ليس كما يدعون أن أمريكا وإسرائيل هما العدو الأكبر لهم وإنما في حقيقة الأمر يخشون من هذه الثورة وآثارها في بنية الوعى الوطني لليمنيين.
يعلم الحوثيون علمًا يقينيًا أنهم لن يحسوا بالأمان رغم أنهم يحتلون صنعاء وما حولها لأنهم يجدون ويرون هذا اليوم السبتمبري هو الند الوطني الأكبر لسلاليتهم بنسختها الحوثية، كما يمثل كذلك الرفض الاقوى لمشروعهم ولذلك جنّ جنونهم حين هلَّ العيد السنوي للثورة فشرعوا يطاردونه منذ بداية شهر أيلول وخاصة في هذا الأسبوع داخل الحارات، وفي المدارس، والمعاهد والجامعات والمؤسسات المدنية، ويختلقون المؤمرات، والتهم المختلفة ضد الناشطين لمجرد أنهم حاولوا الاحتفاء في هذا اليوم.

من يصدق أن ميدان التحرير في العاصمة صنعاء لم يعد يشهد منذ تسع سنين إيقاد الشعلة التي استمرت توقد 53 مرةً في كل ليلة من ليالي 26 سبتمبر من كل عام ؟.
ولن أكذب أيام سمعت او قرأت ان (مارد الثورة) تلك الدبابة التي دكت قصر البشائر ـ واعلنت نهاية زوال وانتهاء تاريخ حكم الأئمة ـ قد ابعدت ورفعت من مكانها بميدان التحرير.
ليس غريبًا أن حدث ذلك، فتلك الدبابة ظلت تذكر الحوثيين وسلالتهم ، وأذيالهم بشكل موجع لم يندمل من وجدانهم الذي نكسته الثورة.
                                       
طبعاً هناك الكثير مما يمكن طرحه للنقاش أمام هذه الذكرى إلا أني اكتفي بما ذكرته أعلاه داعياً كل اليمنيين وفي مقدمتهم أصحاب المصلحة الحقيقية من ثورة 26 سبتمبر، إلى ضرورة إعادة النظر لكل من عصابة الحوثي، وايران ، وكل الدول التي تكيل بمكيالين ضداً لطموحات الشعب اليمني في بناء دولةٍ اتحاديةٍ مدنيةٍ حديثةٍ تنقلهم للقرن الواحد والعشرين، والعيش بشروطه.
وإن مثل هكذا دولة نتوق إليها لن تتحقق على أرض الواقع أمام بقاء هذه العصابة الحوثية السلالية الفاشستية الفارسية في حياة شعبنا.

أخيراً .. أود التذكير إلى أن الاحتفاء الحقيقي بثورة 26 سبتمبر الخالدة لا قيمة له إلا بإستعادة الجمهورية وعاصمتها المحتلة هذا أولاً.
أما ثانياً فيتمثل بتجاوز الجمهورية للخطأ الذي انتجته اتفاقية الصلح مع الملكيين عام 1970م عبر مجرى اعادة الثورة إلى مسارها الصحيح المتمثل بترجمة أهدافها الستة لا سيما الهدف الأول الذي ينص على التحرر من الاستبداد والإستعمار، ومخلفاتهما، وإقامة نظام جمهوري عادل وإزالة كافة الفوارق، والامتيازات بين الطبقات.
إننا اليوم نلاحظ أن العصابة السلالية تعمل على هدم هذا الهدف والإقامة على انقاضه النقيض نحو ممارسة الإستبداد الشامل لليمنيين، والسعي لإعادة إقامة نظام فردي اسري سلالي، وكذا تقسيم المجتمع تقسيمًا طبقيًا يمتاز فيه الهاشميون السياسيون، ومن يوالونهم بامتيازات خاصة مالية كبيرة على حساب الرأسمالية الوطنية التي بدأت تهاجر وتهرب بأموالها للاستثمار خارج اليمن، وامتيازات سياسية واجتماعية واقتصادية ناهيك عن إيجاد فوارق حقوقية سواء في الوظائف العامة والخاصة، او في الحقوق الاجتماعية والثقافية والامنية.... إلخ.
إن كل يوم يمر دون استعادة الجمهورية السبتمبرية لا يعني إلا التضحية الكبيرة بثورات سبتمبر واكتوبر وكل منجزات شعبنا اليمني التاريخية.
ولا قيمة للخطابات المتغنية بالثورة ما لم يتبعها عمل دؤوب ومواصلة حثيثة لاستعادتها واستعادة العاصمة والدولة والجمهورية، ودون ذلك يبقى اي احتفاء لا قيمة  ولا معنى له وليس أكثر من صوت تاه في أغوار بئر سحيق في عراء مجهول.