26 سبتمبر ثورة ضد الجهل والتخلف والمرض
شكل الجهل والتخلف في العهد الإمامي اليمن أهم الدوافع والمبررات لقيادة الثورة لإنجاز التغيير الهام في تاريخ اليمن المعاصر، وإحداث نقلة حقيقية في التعليم ونشر المعرفة في مواجهة الأمية، عنوان الحكم الإمامي الكهنوتي الذي اعتمد على نشر الخرافة بين أوساط المجتمع ليظل جاثما على الشعب اليمني يتمترس خلف مكامن التخلف بهدف تأمين استمرارية وديمومة بقائه في الحكم متسلطا، متبعا فلسفة تعليمية وتربوية ترتكز على مجموعة من الكتاتيب تدرس فيها وبأساليب بالية ما يعزز ويؤكد مشروعية الإمامة في الحكم وحقها الإلهي المزعوم في احتكار السلطة.
قامت الثورة ضد الجهل والتخلف والمرض، فكان التخطيط بشكل سريع لسلسلة من المدارس في ربوع الوطن وعملت في سبيل تحقيق هدف اجتثاث الأمية والجهل في أكثر من اتجاه أولوية الثورة لنفض تخلف وجهل الإمامة.
تسارعت وتيرة الثورة في نقل الشعب اليمني من الكتاتيب إلى التعليم النظامي في مراحله الاساسي والثانوي، وصولا إلى التعليم الجامعي.
أكثر ما سعت إليه الثورة بعد القضاء على الحكم الإمامي هو التعليم، ولا يختلف اثنان على ما كانت تعيشه اليمن في العهد الإمامي من جهل وتخلف. كانت الثورة هي البداية الحقيقية لمسيرة العطاء والبناء، التي توجت بتولي الشهيد الرئيس علي عبدالله صالح الحكم، وبذله جهوداً جبارة وعظيمة في النهوض بواقع البلاد لتحريك عجلة التنمية كل مجالاتها، وذلك من خلال تأسيس وتطوير وتحديث مقومات التنمية المستدامة والتي لا تتأتي إلا بتنمية المجتمع البشري وصناعة الفرد.
ومن هنا شهدت مسيرة التعليم توسعاً كبيراً في جميع مراحله، سواء التعليم العام أو التعليم الجامعي أو التعليم الفني والمهني. ولعلها أسس لقيام نهضة علمية لأي مجتمع ينشد الحداثة والتقدم.
فحينما وصل الشهيد الرئيس علي عبد الله صالح رحمة الله تغشاه إلى قيادة البلد، حظي التعليم في عهده بالاهتمام الأكبر وقدم خطوات متطورة نجم عنها تزايد أعداد المدارس والفصول والطلاب في كافة مراحل التعليم العام.
انطلاقا من تأكيد فخامته في خطابة السياسي في الذكرى 29 لثورة ( 26) سبتمبر عام 1981 حيث قال "سوف نصعد من نضالنا جميعا من أجل التغلب على مشلكة الأمية، الميراث الرهيب للعهد الإمامي المباد، مواصلة منا لتحرير الإنسان من أغلال الجهل، بعد أن تحرر شعبنا من أغلال الظلم والاستبداد والعبودية"، لتبدأ بذلك المعركة الحقيقة على التخلف والأمية. فبنيت المدارس والجامعات وحل المدرس اليمني محل الأجنبي ورفدت الجامعات المدارس بالكادر المؤهل. وابتعث الطلاب للدراسة في الخارج وأصبح الجميع يساهم في الثورة التعليمية التي شهدتها اليمن، وأصبح احتفاؤها بثورة سبتمبر يترجم بافتتاح ووضع حجر الأساس لعشرات المدارس والجامعات في عموم محافظات الجمهورية.
الكليات التي كانت تابعة لجامعة صنعاء صدر بها قرارات جمهورية بتحوليها إلى جامعات كجامعة تعز، وفتحت جامعات جديدة بذمار وإب وحضرموت ولحج وشبوة ومأرب والحديدة.
وإلى جانب الجامعات الحكومية، افتتحت جامعات أهلية ومدارس خاصة. وأصبح التعليم الاساسي والجامعي في كافة محافظات الجمهورية ومديرياتها و عزلها بكادر تربوي وأكاديمي يمني، انطلاقا من إدراك القيادة السياسية بمخاطر الجهل على عملية البناء والتنمية. فكان لزاما التوجه الذي تبنته اليمن في عهدها الجديد على مبدأ إشاعة العلم والمعرفة في أوساط المجتمع واعتباره إلزاميا لمن هم في سن التعليم.
وما إن دخلت مليشيات الحوثي صنعاء وعددا من المحافظات، حتى عادت سياسة الأئمة في نشر الجهل من خلال استهداف التعليم، فتحولت العديد من المدارس إلى مواقع عسكرية لتدريب مقاتليها وتخزين الأسلحة. وهو ما جعلها هدفا لطيران التحالف، إضافة إلى قيام الحوثيين بزرع حقول الألغام وتطييف التعليم. وبدل أن كان الطالب يحيي العلم الجمهوري مرددا: الله الوطن الثورة، أصبح في ظل سيطرة الحوثي يردد الصرخة الخمينية، وتحشيد الطلاب إلى جبهات القتال مقابل منحهم شهادات نجاح دون اختبارات، في سياسة تدميرية للتعليم الأساسي والجامعي لضمان احتكار السلطة وسيطرة أسرة واحدة عليها تحت دعوى "الحق الإلهي".
فقد حرص الأئمة على ألا يشيعوا من التعليم إلا ما اطمأنوا إلى غياب ضرره، وعمدوا إلى تكريس قداسة عائلات وأفراد. وها هم اليوم يسعون إلى إعادة اليمن إلى العهود الغابرة من الجهل والتخلف، في مسعى حوثي لإحداث انحراف خطير بالعملية التعليمية واستخدام وزارة التربية والتعليم لنشر ثقافة الكراهية والعداء للآخر، من خلال إلزام المدارس إجبار الطلاب على ترديد (الصرخة) في طابور الصباح كمنصات لنشر الطائفية والمذهبية، وغسل أدمغة الطلاب والناشئة بمفاهيم مذهبية وطائفية.
منذ صيف 2014، ارتكبت المليشيات الحوثية الإرهابية العديد من الانتهاكات التي طالت قطاع التعليم في إقصاء للقيادات والكوادر الوظيفية غير الموالية لها عقائدياً من مناصبها في المناطق التعليمية. وعمدت إلى توسيع نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة في مساعيها الرامية لاستكمال فرض السيطرة الكاملة على المواقع الإدارية، بما يضمن لها تسهيل مخطط "تطييف المجتمع" واستكمال أعمال "حوثنة" المناصب.
وعملت، بحسب تقارير منظمات المجتمع المدني، على تحويل معظم منصات وقاعات وساحات المدارس والمرافق والمؤسسات التعليمية الأساسية والجامعية الحكومية والأهلية في صنعاء ومدن أخرى إلى أماكن لإقامة المهرجانات الطائفية وعرض الأسلحة، وجمع الجبايات والإتاوات وتحشيد المقاتلين الجدد من طلبة المدارس والجامعات (بينهم صغار في السن). وفرضت الجماعة حزمة من القيود الجديدة على المدارس الأهلية في العاصمة وبقية مناطق سيطرتها، استكمالاً لعملية التجريف التي تقودها بحق العملية التعليمية، معتقدة أنها قد تنجح في إحكام الإمساك بزمام الأمور من خلال أساليبها العتيقة تلك، لتؤمن لنفسها مشروعاً طويلاً للحكم يستند على الجهل. ونسوا أن الشعب اليمني الذي ثار على الجهل في 26 سبتمبر قادر على القضاء على الإماميين الجدد مهما طال الزمن أو قصر. فمن ذاق الحرية لن يقبل بالعبودية.