لا لشرعية دون قرار وحرية اختيار...
مع الوضع في الاعتبار أن معظم التطورات في الملف اليمني حتى الآن تشير إلى خسارات الشرعية وتقديم التنازلات لجماعة الحوثي الانقلابية، فإن الشرعية تحاول تصريحا وتلميحا في كل تطور أو تغير في شأن الأزمة اليمنية، الإشارة إلى عدم الرضى والاقتناع بالخيارات الموضوعة أو القرارات والإجراءات التي اتخذت تجاه كل حدث، أو بالأصح الانتصارات المجانية التي يقدمه طرفها للانقلابيين..!! ويصل الأمر أحياناً إلى أن تنتقد الشرعية قراراتها ولو على استحياء، وأحياناً تضطر لأن تدفع بالموالين لها من شخصيات وطنية وكتاب وصحفيين وناشطين إلى تنظيم حملات نقد لاذعة وشرسة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، حملات محرجة توجه إليها بشراسة، نتيجة القبول بتلك المتغيرات التي لا تجني فيها شيئاً أقصى من الخسارات..!!
من جانب آخر ومن منطلق إمكانياتها المتاحة وقدراتها المتوفرة وخبراتها التراكمية كدولة، حاولت الشرعية في مرات قليلة ما يمكن وصفه بالتجرؤ واقتحام ما يعتقد أنها خطوط حمراء أو حدود معينة، وذلك باتخاذ قرارات فاعلة ومؤثرة، بإمكانها أن تغير الواقع وترجح كفتها على حساب الانقلاب، قرارات تلعب على أوراق سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية جماهيرية أيضاً، كان وما يزال بإمكانها من خلالها، أن تحدث انتصارات كبيرة، وتثبت للجميع أن خيارات الدولة الوطنية والإجماع الشعبي الكبير الذي يسندها، هو القوة المطلقة التي يمكن المراهنة عليها والوثوق بقدرتها على إخراج اليمن من هذه الأزمة والتخلص من أسبابها والتغلب على آثارها..
تلك المحاولات الخجولة من قبل الشرعية، عادة ما تنتهي بدفعها كطرف (صاحب مسئولية) في الأزمة، إلى تقديم التنازلات للمليشيا، والتراجع من الخطوط المتقدمة التي تصل إليها بل والانسحاب إلى ما وراء ذلك، وكثيرا ما حدث مثل هذا في مختلف القطاعات الأربعة المذكورة أعلاه، وكان قطاع الاقتصاد آخر ميادين تلك الجولات التي خاضتها الشرعية في وجه المليشيا الانقلابية، أعني تلك القرارات التي اتخذت على مستوى البنك المركزي ووزارة النقل وجهات ومؤسسات أخرى، لم تستنفر لها عصابة الحوثيين الإرهابية وحسب، وإنما استفزت قبلها وبقدر كبير حفيظة القوى الخفية التي تدير الأزمة اليمنية، وتحرص من خلف الحجب على استمرارها، ومثل ذلك قرارات عسكرية وسياسية أخرى اتخذتها الشرعية وسرعان ما وجدت نفسها مدفوعة للتراجع عنها بضغوطات وإملاءات لا تظهر عادة على السطح، وإنما تظهر نتائجها وآثارها، مما يتسبب بشكل رئيسي في إحراج الشرعية حتى أمام نفسها..!!
من هذا نصل في النتيجة إلى أمر جوهري وهام، وهو أن الشرعية لا تنقصها أبداً أسباب الانتصار ولا تفتقد إلى القدرة التي تمكنها من إنهاء هذه الأزمة، والتخلص من الانقلاب واستعادة كامل الثقة بها من قبل اليمنيين، باستعادة الدولة ومؤسساتها من خاطفيها المتمردين والإرهابيين.. نثق كثيراً بقدرات الشرعية لأنها تتزيا صفة الدولة وتتسلح بالنظام والقانون ومسئوليتها الحفاظ عليهما.. إذن أين تكمن مشكلة الشرعية..؟! تكمن مشكلتها في أنها لا تتسلح بخيارات مطلقة، وإنما خياراتها قليلة بل محدودة جداً من قبل مديري الأزمة الذين لهم أجندات دولية وإقليمية بعيدة جداً عن أجنداتنا ومتطلباتنا كيمنيين، وأحياناً تكاد تصل تلك الخيارات إلى ما نسبته صفر%.. حسناً لا بأس إن تحدثنا بصراحة فلم يعد يخفى الشيء الكثير في هذه الأزمة، وبالتالي فليس غريباً أو ممنوعاً أن نعترف بأن الشرعية تفتقد لحرية اتخاذ القرار، وهذا للأسف يدل على موقف ضعيف ولن يمكنها من تحقيق شيء من أهدافها وأحلام من لا يزال يؤمن بها ويثق فيها من اليمنيين.