17 يوليو.. نهضة وطن وميلاد ثان للجمهورية
كثيرة هي الأسماء التي كانت تحتل المشهد السياسي والعسكري -قبل يوم الـ17 من يوليو- لكنها سرعان ما توارت عن المشهد عندما ارتفع سقف الأحداث واشتدت الخطوب، وبتواريها انعدمت الخيارات وأصبح الفراغ وحالة اللادولة حاضر البلاد ومستقبلها الذي يستحيل تغييره.
وفيما بدت الجمهورية وكأنها استنفدت مخزونها الثوري ولم يعد لديها من الكفاءات من تقدمه لتحمل مسئولية قيادة الدولة، ظهر المقدم علي عبدالله صالح، ليبدد الحالة الضبابية السائدة وكل المخاوف ويضع حداً لزمن الخطوب الذي حول كرسي السلطة إلى مقصلة للرؤساء.
في الـ17 من يوليو 1978 ترك القائد العسكري المقدم علي عبدالله صالح لواءه وجنوده بعيداً واتجه منفردا إلى مجلس الشعب ليضع حداً لزمن الانقلابات العسكرية ومسلسل الدم الذي شهدته البلاد ويصنع بانتخابه رئيسا للجمهورية الخطوة الأولى في طريق الديمقراطية والاحتكام للإرادة الشعبية في الوصول إلى السلطة.
لم يقدم علي عبدالله صالح برنامجا انتخابيا ولم يعد الشعب اليمني بصنع المستحيلات وتحقيق تطلعاته للأمن والاستقرار وإخراج البلاد من آتون الصراعات التي اشتعلت نيرانها داخل الصف الجمهوري، منذ أواخر عقد الستينيات، وانتهت إلى نفي اثنين من الرؤساء هما المشير عبدالله السلال والقاضي عبدالرحمن الإرياني واغتيال اثنين آخرين هما إبراهيم الحمدي واحمد الغشمي.
لم يقدم أول رئيس منتخب في تاريخ اليمن برنامجا انتخابيا واكتفى بتوجيه خطاب مقتضب للشعب اليمني في اليوم الثاني لانتخابه حمل الكثير من المعاني، مؤكدا أن الخطوب والحوادث تصنع عزائم الرجال وتزيدهم قوة وصلابة، ومتعهدا في ثلاث جمل أن اليمن ستشهد عهدا جديدا يرتكز على التنمية والديمقراطية وأن ما بعد يوم الـ17 من يوليو لن يكون كما قبله.
لم يكن علي عبدالله صالح في واجهة المشهد السياسي والعسكري لليمن لكن نجمه سرعان ما سطع وتحول من كبش فداء كُتب عليه دفع ثمن الأخطاء السياسية والعسكرية لمن سبقوه، إلى منقذ لم يلبث طويلا حتى ملأ كل المشهد السياسي، وأثبت لليمنيين من خلال التحولات المتسارعة التي شهدتها البلاد أن الـ17 من يوليو مثل الميلاد الثاني للجمهورية.
اليوم والشعب اليمني يحتفي بالذكرى الـ46 لانتخاب علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية تؤكد الأحداث الحافلة بالإنجازات أن يوم الـ17 من يوليو لم يكن يوماً عاديا شهدت لحظاته وصول رئيس جديد يضاف إلى قائمة من سبقوه من الرؤساء، بقدر ما كان يوم ميلاد وطن وكيان سياسي ودولة ومؤسسات وقائد وزعيم تجسدت فيه إرادة اليمنيين الذين استلهم من واقعهم المرير رؤيته في التغيير والانتقال باليمن إلى الغد الأفضل.