Image

الدبلوماسية اليمنية .. تحولت من العمل الدبلوماسي إلى شؤون موظفين

وصف بالفساد الوظيفي المنظم، والدبلوماسي، وبالفضيحة أمام العالم، وغيرها من الأوصاف التي تجعل من اليمن البلد الذي كان رائدا في جميع المجالات خاصة الدبلوماسية ابان الدولة والنظام الذي تم التآمر عليه في العام 2011، واليوم يشهد هذا المجال الذي يعد الواجهة الأولى لليمن أمام العام، جريمة فساد في الوظيفة العامة والعلاقات والمال العام، لا يمكن تجاوزها و المهمام كبيرة امام الوزير الجديد الدكتور شائع الزنداني في معالجة اختلالات سنوات عشر من الفساد الوظيفي وانتهاك للقانون و العرف الدبلوماسي.
ما يتم من تعينات في وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي وملحقياته المختلفة، يتم بحسب الوساطة، والحزبية والمحاصصة، والانساب، خاصة فيما يتعلق بتدور المنتهية أعمالهم في الملحقيات الاعلامية والثقافية، ممن يتبعون وزارة الاعلام والثقافة والسياح، ويتم تدويرهم ونقلهم إلى وزارة الخارجية و تعيينهم مستشارين في السفارات.
تلك الاجراءات التي تتبع والمخالفة للوائح التعينات في العمل الدبلوماسي، تزيد من تضخ الوظيفة الدبلوماسية، وترهق الخزانة العامة وتستنزف العملة الصعبة، وهو ما يجري في الخارجية وفروعها واروقتها منذ فوضى 2011.


تعينات بلا ضوابط ومعايير
اتسمت التعينات في المناصب الدبلوماسية منذ فوضى 2011، وتلاها من حروب حوثية ضد الشعب، وتولي قيادات ولائها للخارج وليس لليمن، الحكم فيما يتعلق بالشرعية،  اتسمت بالتبعية للمكونات واصحاب النفوذ، دون شروط ومعايير التعيين المتبعة منذ عهد الدولة والنظام ابان حكم الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح.
ووصفت مصادر دبلوماسية يمنية، حالة التوظيف والفساد في الخارجية وفروعها الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، بأنها قنبلة موقوتة، نتيجة تلقيها مدخلات دون ضوابط او معايير، ما خلف مشكلات كبيرة ومتعددة لا يمكن سردها في هذا المجال، نتيجة تراكم رصيد الفساد وإهدار فرص تحسين صورة اليمن أمام الراي العالمي.
وتشير المصادر، إلى أن، العمل الدبلوماسي تحول إلى مجرد عمل إداري ومكتب شبيه بالدوائر الحكومية في أي وزارة ايرادية بالجهاز الاداري للدولة، اختلت فيه معايير التوظيف والترقية والتعيين، واصبحت تخضع لمعيار ثقل الوساطة، وافتقرت فيها عنصر التأهيل والتدريب والتدريج في المناصب.

محاولة متأخرة 
ووفقا للمصادر، فإن أي محاولة ستقوم بها الجهات الحكومية فيما يتعلق بمعاجلة اختلالات الدبلوماسية اليمنية، ستنصدم بكتل الوساطات والمراكز، والمكونات التي عملت خلال السنوات الأخيرة على تدمير العمل الدبلوماسي من خلال كمية التعيينات التي تمت في مرافق الخارجية المختلفة.
وذكرت المصادر، بأن إزالة خمول العمل الدبلوماسي منذ فوضى 2011، والذي حول مرافق الدبلوماسية اليمنية إلى جهاز مترهّل لا تكاد تلمس له أي إضافة في خدمة السلطة والانخراط مع معركتها السياسية ضدّ مليشيات الحوثي الارهابية، وشبكة مناصرتها الايرانية ومن حزب الله المنتشرة في الخارج.

نظام المحاصصة والتقاسم
ويعمل الجهاز الدبلوماسي التابع للشرعية اليمنية في ظل نظام المحاصصة وتقاسم المناصب بين مختلف القوى المشكّلة للسلطة، والذي يشكل حزب الاصلاح "الاخوان" أكثر الفئات المسيطرة على الوظيفة الدبلوماسية، وقدم أسوأ نموذج للعمل الدبلوماسي في خدمة القضايا الوطنية، وركز على خدمة أجندته الخاصة او تلك التي تخدم تنظيم الاخوان الدولي.
وتذكر مصادر دبلوماسية، بأنّ التعيين بالسلك الدبلوماسي اليمني تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى أفضل أداة للمجاملة والمكافأة التي يقدّمها كبار المسؤولين في السلطة للمقرّبين منهم ولأعضاء أحزابهم، حيث يوفّر العمل ضمن البعثات الدبلوماسية في الخارج لأعضاء تلك البعثات أوضاعا مريحة بعيدا عن اليمن وتعقيداته الحياتية وعدم استقراره الأمني.
وتؤكّد المصادر افتقاد مكونات الجهاز الدبلوماسي اليمني لعامل التنسيق والتضامن الذي يستوجبه العمل الحكومي بصفة عامّة، وذلك في ظلّ التزام أعضاء الجهاز بتوجّهات أحزابهم وانصرافهم لخدمة تلك الأحزاب والترويج لها وتمتين علاقاتها في الخارج.

دبلوماسية لخدمة "الإخوان"
وتلفت تلك المصادر، إلى تمكّن حزب الإصلاح من خلال مشاركة كبار قادته في السلطة الشرعية منذ عهد رئيسها السابق عبدربه منصور هادي من احتلال مواقع متقدّمة في الجهاز الدبلوماسي وفوزه بالعديد من المناصب في البعثات الدبلوماسية وسفارات اليمن في الخارج.
ويقول دبلوماسيون يمنيون عملوا إلى جانب عناصر الحزب في بعض البعثات إنّ هؤلاء ينصرفون لدى تعيينهم في السفارات عن خدمة أهداف السلطة التي يفترض أن يمثّلوها إلى خدمة حزبهم وربط العلاقات بين قادته والمسؤولين في الدول التي يعملون فيها، كما ينتهزون فرصة وجودهم بالخارج لربط الصلات مع الشبكة الدولية لتنظيم الإخوان المسلمين.
وبحسب هؤلاء الدبلوماسيين، فإنّ أنشطة عناصر حزب الإصلاح العاملين في سفارات اليمن بالخارج تشمل أيضا جمع التمويلات للحزب وخصوصا من داخل الدول ذات التوجّهات الإسلامية مثل تركيا وماليزيا أو تلك التي تنشط فيها بقوة تيارات ومنظمات إسلامية.

أخونة الدبلوماسية
وتفيد مصادر عاملة في الخارجية، بأن عناصر حزب الاصلاح الذين تم الحاقهم بالعمل الدبلوماسية في عهد الرئيس السابق هادي، بدون أي شروط او خضوع لمعايير التعيين في العمل الدبلوماسي، قاموا بعمليات أخونة لبعض السفارات اليمنية، كما هو الحال في سفارة اليمن لدى ماليزيا والتي يقودها عضو الإصلاح السفير عادل باحميد، وسفارة اليمن لدى دولة قطر التي يديرها القيادي الاخواني راجح بادي، إلى جانب عدد من المرافق الدبلوماسية في دول أخرى، تم فيها تعيين أعضاء الحزب والمقربين من السفراء في أغلب المناصب.

تعيينات مشبوهة 
وتحدثت المصادر، عن وجود تعيينات مشبوهة تم الحاقها بالعمل الدبلوماسي منذ مؤامرة اسقاط النظام والدولة في البلاد، تجسدت في اصدار قرارات تعينات لعناصر تتبع تنظيمات ارهابية للعمل في المجال الدبلوماسي، لممارسة انشطة واعمال تخدم مكوناتهم المسلحة، خاصة في مجال التحويلات المالية وممارسة بعض الأنشطة التجارية المدرة للدخل، مستغلين صفة الدبلوماسية في تمريرها.
وترى المصادر، إن مثل تلك الاعمال اضعفت العمل الدبلوماسية افقدت الحكومة الثقة أمام الدبلوماسية العربية والعالمية، وهو ما استدعى وزير الخارجية الجديد الدكتور شائع محسن، لاطلاق عملية اعادة هيكلة للسلك الدبلوماسية والبعثات اليمنية حول العالم، يتمنى الجميع ان تخضع لمعايير وضوابط العمل الدبلوماسي المتعارف عليه.

سمعة اليمن على المحك
فدور وزارة الخارجية حيويًا في توجيه السياسة الخارجية للبلاد وتمثيلها في المحافل الدولية، ولذلك يكون لتورط أي من مسؤوليها في قضايا الفساد تأثير كبير على سمعة اليمن والحكومة ومصداقيتها.
وتساءلت العديد من الجهات الدبلوماسية، حول امكانية نجاح الوزير الجديد في استعادة هيبة العمل الدبلوماسي اليمني، في ظل الشكوك الذي تدور مساندة القيادة السياسية المتورطة في فساد الخارجية، لتلك الجهود.
ومن التساؤلات، هل نري في قادم الايام قضية توقيف او استبعاد المسؤولين عن الفساد في وزارة الخارجية والتحقيق معهم ضمن الاجراءات التي ستؤدي الى محاسبتهم عن أفعالهم وتطبيق العدالة وقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي؟ ام ان هذه الجهود ستبقى معرضة للتأثيرات والضغوط من لوبي الفساد المتنفذ والمهيمن على كل اعمال وزارة الخارجية ألذى لن يألو جهدا في عرقلتها ووضع العقبات امام توجهات الوزير في اصلاح الدبلوماسية اليمنية؟
ان تنظيم العمل الدبلوماسية وفقا لرؤية العديد من المصادر الدبلوماسية، يجب ان تخضع لعملية تصحيح المخالفات القانونية التي تمت، والغاء كافة التعيينات خارج قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي، واستدعاء كل السفراء والدبلوماسيين ألتي انتهت فترة عملهم القانونية، وتعيين الكوادر المستحقة حتى ستعيد للدبلوماسية اليمنية دورها وتكون عونا للدولة والرئاسة في تحقيق كل الاهداف الوطنية ورعاية مصالح اليمن وشعبها في أطار توجهات الدولة ومصالحها في تحقيق النهضة الشاملة.

فساد مهول
تأتي تلك التحركات الحالية في اطار الدبلوماسية والعمل في الخارجية، بعد مرور عامين من صدور تقرير يكشف حجم الفساد في الخارجية، والصادر في ديسمبر 2022.
فقد سرب تقرير رسمي  عن إحدى دوائر وزارة الخارجية، تحدث عن حجم التعيينات المخالفة منذ العام 2015، التي تمت في عدد الملحقيات اليمنية في وزارة الخارجية من أبناء المسئولين والقيادات والتي يتم الانفاق عليهم مبالغ لا يمكن تصديقها.
التقرير المسرب أشار الى ان هناك المئات ممن انتهت الفترة الزمنية الخاصة بتكليفهم ولكنهم ظلوا يتسلمون مرتباتهم وبالعملة الصعبة ، فيما تم اضافة موظفين كثر تم الحقاهم للعمل في المجال الدبلوماسي في السفارات والقنصليات والملحقيات دون الحاجة لهم، وتم اعتماد اكثر من 5 ملايين دولار موازنة لهم.
ورغم مرور عامين على صدور التقرير الذين اقتصر على التعيينات في الملحقيات الفنية، الا ان شيئا لم يتغير ولم يتم إيقاف احد، خاصة وان الكشوفات تضم أسماء المئات من الأشخاص دونما مؤهلات ودونما فائدة تُذكر الا الوساطة او القرابة او المحسوبية.

صورة مخجلة للتعيينات
وتحدث التقرير عن صور التعينات التي تمت في السلك الدبلوماسي دون الالتزام بمعايير الالتحاق بعضوية السلك الدبلوماسي، حيث صدرت أوامر وزارية بتعيين الكثير من المقربين والاكثر حظاً بصفة دبلوماسية وبدرجات عالية كسكرتير أول أو مستشار أو وزير مفوض دون أي مسوغ قانوني لشغل الوظيفة بل لم يسبق للبعض منهم العمل في وزارة الخارجية أصلاً وكثير منهم مقيمون في الخارج دون العودة الى الوطن ودون العمل في الوزارة ودون الاشتراك في دورات تؤهلهم للعمل في السلك الدبلوماسي.
كما تمثلت صور الفساد في تعيين أبناء المسؤولين وبعض الموظفين وفق مبدأ التوريث في الوزارة ثم نقلهم الى السفارات خارج القواعد وقانون السلك الدبلوماسي وبعضهم لم تمض على عمله في الوزارة أشهر حتى بات العمل في الخارجية ذا طابع أسري ومناطقي الهدف منه الراتب بالدولار من المبالغ التي تُدفع لتسيير أعمال وزارة الخارجية.
ومن صور الفساد المخجل والمهين تعيين الزوجات وبعض المسؤولين من مناطق معينة في بعض السفارات الهامة في الدول الكبرى والهدف من ذلك لهذه الشريحة ليس الراتب او العمل الدبلوماسي وإنما الحصول علي الامتيازات والحصول علي الإقامة من اجل ترتيب اوضاعهم في هذه البلدان عندما تتغير الأمور او يحصل أي تغيير وبالتالي أصبحت بعثات بلادنا في الخارج وسيلة للارتزاق وتحقيق الفوائد والمصالح الشخصية وليس تمثيل البلد ورعاية مصالحها.
ومن صور الفساد الذي عبث بالبلاد إعادة التعيين وتصفير العدد للبعض والقفز بالعناوين الوظيفية خارج إطار المدد القانونية المنصوص عليها في قانون السلك الدبلوماسي والتي تسمى من الناحية القانونية بحرق المراحل؛ اي أن يعين موظف بدرجة ملحق أو سكرتير ثالث وبعد أشهر يرقى الى سكرتير ثان أو أول دون مراعات المدة القانونية للترقية وغالباً ما تتم هذه العملية جزافاً حسب العلاقات.
ومن صور الفساد أيضا أن أكثر تعيينات وكلاء وزارة الخارجية لم تكن على أساس الكفاءة المهنية والقدرة على إدارة شؤون الوزارة وانما اعتمد في تعيينهم على أساس الوساطات وانتماءاتهم وهي بالمجمل تخالف روح وأهداف قانون وزارة الخارجية.

كارثة الجواز الدبلوماسي
لقد ادى اصدار كمية كبيرة من الجواز الدبلوماسي لمواجهة لأصحاب التعيينات المخالفة في السلك الدبلوماسي اليمني المقدرة بأكثر من 600 قرار تعيين تمت عقب فوضى 2011، إلى قيام بعض الدول بالغاء اعتماد الجوازات الدبلوماسية اليمنية، ما اعتبر فضيحة دبلوماسية وسياسية لليمن.
ومن كوارث الفساد هو أن الجواز الدبلوماسي اليمني فقد هيبته لكثرة اعداد الممنوحين جوازا دبلوماسيا؛ حيث وصلت الأعداد الى أرقام مهولة ما عدا جوازات الخاصة والخدمة؛ حيث يتم منح الجوازات لمن لا يستحقونها مقابل مبالغ مالية.
ويرى ناشطون وحقوقيون، بأن الحكومات اليمنية التي تلت فوضى 2011 وحرب 2015 ضد مليشيات الحوثي، خلفت تلك الافرازات التي ارهقت ميزانية الدولة رغم ان البلاد تعيش حالة حرب، وذلك بفضل الامتيازات التي منحت لأصحاب تلك التعيينات الدبلوماسية المخالفة.
لقد تعددت قضايا الفساد في الخارجية، بين قضايا فساد ابتعاث أبناء الدبلوماسيين والعاملين في السفارات والقنصليات والملحقيات، وتعيينات الأقارب خارج قوام وزارة الخارجية بمخالفة قانون السلك الدبلوماسي وقانون الخدمة المدنية، خاصة فساد الوكيل المالي والاداري بوزارة الخارجية التي تم الغائها من قبل الرئاسة، مرورا باستمرار الترقيات بالمخالفة للقانون وحالياً محاولة لتثبيت موظفين (تم توظيفهم بالمحسوبية بمخالفة قانون السلك الدبلوماسي) وتوجد حاليا ترقيات تعامل في وزارة الشؤون القانونية وفي وزارة الخدمة المدنية مخالفه لقانون السلك الدبلوماسي ومخالفة لقانون الخدمة المدنية، وفضيحة تعيين اكثر من 62 شخصا معظمهم من الاصلاح في مناصب دبلوماسية دون أيّ مؤهلات أو خبرة، مستفيدين من علاقاتهم الشخصية مع وزراء الخارجية المتعاقبين.