عندما يحل الليل

05:46 2024/06/04

ها هو الليل يدنو من النهار ، الساعة الآن الثالثة والنصف فجراً ، ظلام حالك وصمت مخيف ، وغرفة تكتسي بالسواد إلا من ذلك الضوء الخفيف الذي يتسلل من بين ثنايا النافذة، وعيني ترقبه تماماً كمن ترقب طفلها خشية السقوط، فهو بالنسبة لي مصدر أمان بأن النهار قد حل وبأن الليل ذاهب ليعود مرة أخرى .

أحيانًا ترعبني فكرة أن يحل الليل ، ولا أريد له أن يأتي، وإن أتى اتمنى لو يزول ليحل النهار بسرعة ، ليس لشيء غير أنه يجلب كل هموم الدنيا ويستدعي كل المواقف ، ويستحضر كل ما من شأنه أن يقلق راحتك ويفزع نومك ولا يزول بسرعة ، بل تزداد دائرة القلق وتتسع ،ولا تستطيع ردمها وكلما حاولت، تصدع جدارها وتساقطت عليك الهموم كتساقط الحجارة من على قمة جبل مرتفعة .

ربما كان الليل صديق غير جدير بالصداقة ولربما كان النهار أفضل منه بالنسبة لي ، وصحيح أن الليل انعكاس للنهار أو لربما  العكس ، لكنك تجد في النهار ضالتك ، تعرف كيف تواسي نفسك ، كيف تماهيها، تلهيها، تداعبها  ،تنسي نفسك وتحاول أن تتناسها بأبسط الأمور ، تستطيع مثلاً أن تلهي نفسك بالعبث مع أوراقك وقلمك ، أو التفكر في ملكوت الكون ، أو تتبع سير أقدام بين الشجر ، أو اللهو مع طفل ،أو ممازحة أخ وحتى من الممكن الإتصال بصديق يشيل عنك هم كل ما تريد أن تنتزعه منك ، أو لمجرد الحديث والعبث بالوقت لذلك  أجد النهار صديق جيد .

بينما الليل على عكس من ذلك، فكلما حلقت بناظريك إلى السماء ، لتستحضر النجوم والكواكب لا تجد غير سبعين ألف حرف وترليون نقطة وعلامات استفهام وتعجب ،ونقطة في آخر السطر ، وبداية سطر وإنتهاء آخر  كلها حكايات ترصد وتروى وأخرى تطوى وتمزق .

سطور ترسم لوحة بائسة تروي حكايات لا حصر لها ، تمتزج فيها النقاط والحروف ،وترسم علامات الاستفهام والتعجب كنجوم مضيئة في السماء  كل سطر فيه حكاية تلامس مشاعرنا وتثير أفكارنا .

وسطور أخرى تترك فيك فرح كأنها شمس تشرق على قلوبنا وتنير دوربنا بالأمل والتفاؤل ، وأخرى تمتزج بالحزن تنهمر على مشاعرنا ليبللها ، وبين هذا وذاك ما يزعجك أكثر ويزيد من هلعك هو صوت شخير أحدهم أتى من غرفة تلامس جدار غرفتك.