الصراع المستمر على السلطة في المجتمعات البشرية المتخلفة ..!!

09:14 2024/05/27

مهما تنوعت أسباب الصراعات والحروب بين البشر ' ومهما تنوعت أساليبها وأشكالها ' ومهما تباينت أهدافها وغاياتها ' ومهما حاول أمراؤها وتجارها وقادتها تغليفها بأغلفة متنوعة سواء كانت دينية أو مذهبية أو سياسية أو اقتصادية أو إجتماعية أو وطنية أو قومية ' إلا أن الاستيلاء على السلطة والاستفراد بها والمحافظة عليها هي الهدف والغاية الحقيقية والنهائية لمعظم الحروب والصراعات البشرية في كل زمان ومكان ، ورغم أن نتائج كل تلك الحروب والصراعات كانت تفضي في نهاية الأمر ' إلي إستيلاء قائد أو أسرة أو جماعة أو قبيلة أو حزب على كرسي السلطة ' ورغم ما كانت تخلفه من مآسي وكوارث ومعاناة خصوصاً على البسطاء والمواطنين من أطراف الصراع ' إلا أن العديد منهم لم يتعظوا يوماً من ذلك ' ولم يتوقفوا كثيراٌ عند ذلك ' فسرعان ما يتم الدفع بهم لخوض معارك جديدة بمجرد أن تدق طبول الحرب ' وحتي وإن كانوا لا يزالوا مثخنين بجراحاتهم ومتذمرين ومستائين ومتألمين من نتائج حروبهم السابقة ..!! 

وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة وهي أن هناك قلة من البشر هم المستفيدين دائماً وأبداً من الحروب في كل زمان ومكان ' يمتلكون الذكاء والخبرة والقدرة على تحريك بقية الأفراد ' عن طريق إثارة نوازعهم النفسية سواء الخيرة أو الشريرة ' وعن طريق استغلال تعصباتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو القومية ' وعن طريق إغرائهم بإشباع حاجاتهم الغرائزية والمادية والسلطوية ' وعن طريق إيجاد المبررات التي تجعل الحروب التي يخوضونها عادلة بل ومقدسة ' كما ويقودنا ذلك إلى حقيقة مهمة ثانية وهي أن هناك أغلبية تابعة لا تملك من أمرها شيء ' وتعاني من عدم القدرة على تحديد خياراتها ' وعدم القدرة على فهم اسباب واهداف الحروب الحقيقية ' ويتم الزج بها لخوض الحروب وتحمل نتائجها وافرازاتها ' بل إن بعض البشر يتم الدفع بهم لخوض حروب وهم لا يعرفون من يحاربون ولماذا يحاربون ..!! 

بمعنى أن عشاق السلطة في كل زمان ومكان ' يمتلكون القدرة الكبيرة على التضليل وتزييف الحقائق واستغفال العامة ' وهذا أمر طبيعي فمن غير المنطقي والمقبول أن يقولوا للجماهير نحن نريد منكم أن تحاربوا وتموتوا من أجل أن نستولي علي السلطة ونكون حكام عليكم ' أو من أجل أن نبقى في السلطة ' لذلك فإن إدارة الصراعات والحروب ليس بالأمر السهل ' بل إنه واحد من الفنون والعلوم المعقدة التي لا يجيدها إلا أصحاب الخبرة والتجربة ، فهو يحتاج للكثير من الذكاء والمعرفة الكبيرة بأحوال الناس ونفسياتهم وميولهم وحاجاتهم ' فالدفع بالأفراد إلى ساحات المعارك والموت غاية في الصعوبة والتعقيد . لذلك كان لا بد من البحث عن المبررات الدينية والنفسية والوطنية والقومية والمذهبية والطائفية القوية التي يمكن من خلالها الدفع بالأفراد إلى أتون المعارك ' واستدعاء الدين والمذهب والوطن والطائفة كغطاء للحرب هو الحل الأفضل ' لأن الفرد لا يمكن أن يضحي بنفسه إلا في سبيل الدفاع عن غاية عظيمة وسامية ، ولو يعرف أنه سوف يضحي ويموت من أجل أن يستولي هؤلاء أو أولئك على السلطة لما قام بذلك ..!! 

لذلك لا غرابة أن نجد معظم الحروب السلطوية بين البشر ' قد تم صبغها بصبغة دينية أو وطنية أو قومية أو مذهبية أو طائفية ' حتى وإن كان لا علاقة للدين والوطن والمذهب بكل ما يحدث لا من قريب أو من بعيد ' وحتى لو كان الدين والوطن هو المتضرر الأكبر من الحرب ' لكن تظل الحاجة للدين والمذهب والوطن والطائفة كغطاء ومبرر لشن الحروب مستمرة باستمرار صراع البشر على السلطة ' في ظل وجود شريحة واسعة من البشر يفضلون تعطيل عقولهم عن التفكير ، والمؤلم والمحزن أن هناك حروب كثيرة قد قامت بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد لأسباب لا تستحق الذكر ' وكان يمكن معالجتها بسهولة ' ولكن عشاق السلطة وتجار الحروب سرعان ما يستثمرونها ويؤججون نارها ويقفون عائقاً أمام نجاح كل المساعي السلمية ' حتى يحققوا أهدافهم غير مكترثين بنتائجها السلبية والكارثية على بقية الأفراد ..!! 

ختاماً إن الصراع السلطوي الذي يدفع بالإنسان لقتل أخيه الإنسان ' ليس مستغرباً أن يتم إستغلال الدين أو الوطن أو أي شيء عظيم وسامي لتغطيته وتبريره ' فالغاية هنا تبرر الوسيلة ' والاستيلاء على السلطة هي أسمى غاية عند عشاق السلطة في كل زمان ومكان ، ففي سبيلها يمكن استخدام أبشع وأعنف وأقذر الوسائل ' وفي سبيلها لا مشكلة مهما كانت النتائج والتضحيات والمآسي والكوارث ' وفي سبيلها لا مشكلة من استمرار الحرب لأطول فترة ممكنة ' طالما وهناك الوقود الكافي من الأفراد والمواد والاسلحة والدعم ' وطالما والمبررات الدينية أو الوطنية لا تزال تجد قبولاً عند العامة ' وتفادياً لإستمرار مثل هذه الكوارث ' توصل الفكر السياسي البشري إلى الديمقراطية والانتخابات والشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية كوسائل حديثة تساهم بشكل إيجابي في عملية التداول السلمي للسلطة ' وقد حققت نجاحات وإنجازات كبيرة في العديد من دول العالم الراقية والواعية والمتقدمة ' بينما الدول المتخلفة والجاهلة التي لا تزال قابعة تحت سطوة أنظمة حكم استبدادية ورجعية وكهنوتية ، ولا تزال تنظر إلى الديمقراطية بعين الريبة والشك ، لا تزال تعاني من الحروب المتواصلة والمتجددة على السلطة بين كل فترة وأخرى ..!!