Image

13 عاما من الأزمات والحروب.. منجزات الفوضى .. فساد الأدوات يصل إلى أسعار "الروتي" ويهدد ما تبقى من سبل الحياة لدى اليمنيين

بعد 13 عامًا من الأزمات والحروب والصراعات بين أطراف فوضى 2011 وانقلاب 2014، وصل الحال بالمواطن اليمني إلى مرحلة متقدمة من فقدان القدرة على البقاء على قيد الحياة، وبات خطر "الموت جوعًا" يهدد الجميع، باستثناء تجار الحروب وموظفي الحكومة والمنظمات الدولية.
وفي هذا الصدد شكل رفع أسعار "الروتي" في المناطق المحررة المسمار الأخير في نعش حياة المواطن الغذائية، في ظل تصاعد الأزمات المتكررة من " ارتفاع في اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والبضائع، وغياب الخدمات، وفقدان القدرة الشرائية، واستمرار تدهور العملة والاقتصاد والحياة بجميع جوانبها".

جرعة الروتي القاتلة 
وتعيش المناطق المحررة على وقع ما يسمى بالجرعة القاتلة المتمثلة برفع اسعار "الروتي" إلى مستويات غير مسبوقة وغير متوقعة من المواطن اليمني، الذي فقد بوصلة الحياة الكريمة منذ ما يسمى بفوضى الربيع العربي التي ضجت مضاجع اليمنيين وعدد من شعوب المنطقة بين عامي 2010 و2011، والتي افتعلها ومولها تنظيم الاخوان المسلمين الإرهابي.
فبعد الضجة التي احدثها قرار رفع سعر الروتي في محافظة تعز، إلى ستين ريالًا للقرص الواحد، والذي سبقه قرار رفعه في العاصمة المؤقتة عدن إلى 70 ريالا، هدد مُلاك الافران بالاضراب في عدن للمطالبة برفع سعره مجددًا.
ووفقًا لمصدر في جمعية مُلاك الأفران بعدن، فإن الاضرار تاتي في ظل استمرار تدهور أسعار السلع الاستهلاكية بما فيه مادتي القمح والدقيق والزيوت النباتية، وان سعر 70 ريالا للروتي الواحد لم تعد تكفي لتغطية تكاليف إعداده، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي.
وأكد المصدر، بأنه سيتم خلال الإضراب الذي سيبدأ السبت 25 مايو 2024، المطالبة برفع سعر الواحد الروتي بعدن إلى 100 ريال دون الحديث عن وزنه الذي يتفاوت حاليًا بين فرن وآخر في ظل عدم وجود رقابة من حماية المستهلك او الجهات الرقابية المعنية في وزارة الصناعة والتجارة.

خطر على حياة المواطن
ويشكل التوجه الحكومي الرسمي إلى رفع اسعار "الروتي والخبز" في المناطق المحررة، ضربة قاضية وجديدة تهدد حياة المواطن في تلك المناطق، والذي يعيش ترديًا في معيشته اليومية جراء ارتفاع أسعار السلع المختلفة نتيجة انهيار اسعار العملة المحلية أمام العملات المحلية وغياب المعالجات الحكومية بل وفشلها في احتواء الازمات التي تهدد حياة المواطنين منذ 13 عامًا.
ويؤكد عدد من الأهالي في عدن، بأنهم لم يفيقون بعد من صدمة الأسعار التي تزيد بشكل يومي، ولا من رفع اسعار الروتي السابقة إلى 70 ريال بعد أن كان لا يتجاوز خمسة ريالات في عهد النظام السابق والرئيس الشهيد الراحل الزعيم علي عبدالله صالح، وبحجم لا يمكن مقارنته بما هو موجود اليوم في الأسواق.
ويتساءل الأهالي من ينقذهم مما يجري، ومن الجهات الحكومية التي تحاول القضاء على ما تبقى من حياتهم المعيشية، والدفع بهم نحو المجاعة، او الانهيار الأسري والمجتمعي في ظل ما تشهده البلاد من ازمات وصراعات مستمرة منذ 13 عاما دون ان يجد المواطن فيها ما يشعره بانه ذي اهمية وان احدا ينظر إلى معاناته التي تسببت بها الجهات المسؤولة عنه.

حملة تعسف 
وزعم بيان جمعية الأفران الصادر الخميس الماضي والذي دعوا فيه للإضراب، بأن الدعوة للإضراب تأتي رداً على تعرّض المخابز والأفران بمديرية البريقة - عدن "لحملة تعسف وإغلاق، والتهديد بإغلاق بقية مخابز وافران بقية المديريات".
وأقرت الهيئة في اجتماعها بدء الإضراب الجزئي يوم الجمعة 24 مايو، والكلي والمفتوح يوم السبت 25 مايو، حتى يتم السماح بفتح مخابز مديرية البريقة وبيع الروتي بالسعر الجديد الذي حددته الأفران بـ100 ريال للقرص الروتي وزن (60) جراما.
وطالبت الهيئة، الجهات الحكومية المعنية مراعاة أوضاع المخابز والافران نتيجة ارتفاع اسعار المواد الداخلة في إنتاج الروتي والهبوط المتدني لقيمة العملة المحلية، وايجاد حل عاجل دائم وشامل وتحت قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).
لكن الهيئة ذاتها، لا يعنيها أمر المواطنين أصحاب الدخل المحدود والموظفين الذي أصبحت رواتبهم أقل من 30 دولار، حيث يأتي تصعيدها لصالح أصحاب الأفران.

شلل حكومي 
وتأتي أزمة الروتي مع استمرار الشلل والفشل الحكومي المتواصل منذ سنوات، والتي وصلت بها الأمور على مختلف الاصعدة خاصة الاقتصادية والمعيشية إلى مرحلة انهيار كاملة، فيما يواصل الريال انهياره امام العملات الاجنبية مسجلا خلال الساعات الماضية، 1761 ريال للدور الواحدة، و456 ريال يمني، للريال السعودي الواحد، الامر الذي ينعكس على اسعار السلع الاستهلاكية والبضائع بشكل لحظي، ما يفاقم الاوضاع المعيشية على المواطنين.

استغلال جماعات الفوضى 
وتؤكد التقارير والمؤشرات الاقتصادية المحلية والدولية الخاصة باليمن، فإن الوضع المنهار الذي بدا مع احتجاجات وفوضى 2011، استغلته عدد من الجهات اليمنية ذات الارتباط بالخارج، وعلى رأسها مليشيات الحوثي الإرهابية "وكلاء ايران"، وعناصر تنظيم الاخوان ذراع اليمن والمتمثلة بحزب الاصلاح، وشركائه من احزاب اللقاء المشترك.
وترى تلك التقارير، ان الازمات الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة المتواصل منذ سنوات، وارتفاع اسعار السلع وغياب الخدمات، تخضع لمزايدات تلك المكونات، ومكونات اخرى نشأت بعد حرب مليشيات الحوثي ضد اليمنيين التي بدأتها نهاية العام 2014.
وبحسب المراقبين، فقد استغل نافذون في الدولة والحكومة الحرب الدائرة في البلاد، لإنشاء شركات واستثمارات خاصة بهم في استثمار مفضوح للحرب التي بات حسمها يشكل خسارة لمصادر افسادهم.
وتفاقمت أوضاع المواطنين جراء الارتفاع المتلاحق للمواد الأساسية في مقدمتها الخبز والروتي ودقيق القمح والأرز والزيت، بعد أن تجاوزت عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.

ماذا افرزت الفوضى؟ 
وفي هذا الاطار، سجلت الساحة اليمنية منذ فوضى 2011 قبل 13 عاما، افرازات عديدة وتشكلت خلالها كيانات، عمدت كلها على استغلال حياة المواطن البسيط، وارتهنت لمخططات ومؤامرات خارجية على حساب اليمن واليمنيين، وقامت بنهب ومصادرة الاموال العامة، وكل ما يتعلق بمؤسسات الدولة، واستمرت في ذلك حتى اليوم.
وانتجت تلك الافرازات بنية تحتية شبه مدمرة، ومؤسسة دولة كانت قائمة بنشاطها، واصبحت اليوم متلاشية وشبه معدومة، فضلا عن تسببها في انتشار ظاهرة الفقر والعوز والفاقة في اوساط الاسر اليمنية، واتساع رقعة الجوع وغياب الأمن الغذائي وفقدان أكثر من 27 مليون يمني لوسائل الحياة المستقرة، على رتسها التعليم والصحة والامن.

افرازات جماعة الحوثي
وبالنظر إلى مناطق سيطرة مليشيات الحوثي الارهابية، نجد بان الجماعة عمدت إلى تدمير مؤسسات الدولة بشكل ممنهج في محاولة منها لطمس مظاهر ومعالم الجمهورية، واستبدلتها بكيانات شبيهة بما لدى العصابات الاجرامية في العالم، حيث اوجدت سوق سوداء لبيع جميع السلع بما فيها المشتقات النفطية والغاز والأدوية.
وعمدت تلك الجماعة على تغيب أي دور لمؤسسات الدولة، واسندت لعناصرها الارهابية القيام بممارسات تنكيل وبطش باستخدام القوة لتحقيق مصالحها على حساب المواطنين، دون مراعاة لحجم الخسائر البشرية، او لأهمية سفك الدم اليمني، ما دام يصب ذلك في خدمة مشروعها الطائفي والارهاب وتنفيذ مخططات ايران الارهابية في اليمن والمنطقة.
وتؤكد أوساط اجتماعية في مناطق الحوثيين، بأن الجماعة لم تجلب معها  منذ ظهورها على الساحة، أي شيء ايجابي يخدم اليمنيين، بل عمدت على ممارسات كل ما هو سلبي ضد اليمنيين الابرياء، حتى وصل بهم الحال إلى استقدام السموم والمواد المسرطنة بطريقة رسمية والمجاهرة بذلك وتهديد من يرفضها او يعارضها بالحبس والاخفاء او حتى القتل تحت التعذيب.

وتشير تلك الأوساط إلى ان الجماعة عمدت على نهب مرتبات الموظفين ومنعت صرفها رغم حجم ايرادات المؤسسات الحكومية، وقامت بتحويل جميع الخدمات الرسمية إلى خدمات خاصة يتم بيعها للمواطن بعد ان كانت شبه مجانية، وواصلت حروبها العبثية بمصير اليمنيين وفتحت حربًا جديدة بالمياه الاقليمية ضد الملاحة والتجارة خدمة لايران رغم معرفتها بانعكاسات تلك الحرب على حياة اليمنيين.
قامت بمصادرة الأراضي والمنازل والممتلكات وهتكت الاعراض ومررت خططًا فكرية في المناهج الدراسية عبر الدورات الثقافية، نظمت احتفالات بمناسبة دينية ايرانية بحتة، وابتدعت مسميات للمعالم الجمهورية تخدم الامامة وايران بالدرجة الاولى.

الهرولة نحو السعودية
وفي هذا الصدد، تعيش مناطق ميليشيات الحوثي أوضاعًا اقتصادية كارثية نتيجة غياب النقد من العملة المحلية، واختفاء العملات الأجنبية مثل الدولار والريال السعودي من الأسواق، ما تسبب بأزمة اقتصادية حادة، إلى جانب استمرار التضخم بعد رفض الدول استيراد المنتجات الزراعية وغيرها من مناطق الحوثيين ما تسبب بتكدس تلك البضائع وتلفها وتسببت بكوارث اقتصادية على المزارعين.
ومن خلال توقف النشاط الاقتصادي والتجاري واقتصاره على عناصرها، وفرض مزيد من الجبايات والإتاوات المالية، والتي تسبب في توقف السوق العقارية وتدهوره، مع تصاعد حدة الانتهاكات وعمليات البطش ضد المعارضين لها، تعيش مناطق الحوثيين حالة غليان وسخط شعبي عارم ضد الجماعة ما دفعها إلى الهرولة نحو استجداء السعودية لمواصلة السلام عبر ما يسمى بخريطة الطريق المعلنة من قبل المبعوث الأممي لليمن في سبتمبر 2023.

شلل شبه كامل
ومع استمرار الجماعة في عمليات السلب والمصادرة للأراضي والممتلكات وانتهاك الحقوق والحريات، ونهب المؤسسات الرسمية، وصلت الحياة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم إلى شلل شبه كامل، خاصة وان الجماعة عمدت مؤخرًا إلى تقليص النفقات على تلك الجهات إلى نحو 90 بالمائة.
ومع استمرار الجماعة في تشكيل الأجهزة القمعية وانشاء سجون ومعتقلات جديدة سرية وعلنية في مختلف المدن الخاضعة لسيطرتها، واستمرار عمليات التعذيب بحق الاسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفين قسرا، وقتل اعداد منهم، واختطاف معارض جدد.
وإلى جانب ذلك، استمرار الفساد المالي والاداري وحوثنة المؤسسات، والاستحواذ على القضاء والنيابة، وتغييب الكفاءات في المنازل وتعيين غير مؤهلين لادارة تلك المؤسسات بما فيها الجامعات التعليمية والعملية التعليمية برمتها، مع استمرار توفير الحماية للمجرمين والعصابات وممارسة شتى انواع التنكيل والبطش بحق المواطنين، كل ذلك اوصل مناطق الحوثي إلى مرحلة الكارثة التي ينتظر انفجارها.

تأثيرات احدث البحر الأحمر 
يأتي ذلك مع بروز تأثيرات الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر التي تنضم إلى عديد التحديات الاقتصادية التي يواجهها اليمن بفعل الصراع الدائر في البلاد، حيث يشكو القطاع التجاري الخاص في اليمن من مشكلة النقل التي تستعصي على الحل، إضافة إلى ازدواجية الرسوم الجمركية والجبائية، وأزمة الشحن التجاري في ميناء الحديدة والتأخير الحاصل في مرور البضائع والحاويات.
ويدفع التجار العاملون في معظم المناطق اليمنية جمارك مزدوجة وجبايات في مداخل المدن ونقاط العبور على خطوط النقل بين المدن والمحافظات، مع تفاقم أزمة النقل البري وتباعد المسافات على خطوط السير المستحدثة، إضافة إلى العراقيل والجبايات المتصاعدة في الموانئ.

وكشف القطاع التجاري الخاص في اليمن عن رفع تكلفة الجمارك الداخلية في اليمن لتصل إلى 100% على البضائع المستوردة من ميناء عدن أو غيرها من الموانئ في المناطق الجنوبية والشرقية، والتي تصل إلى مناطق الشمال، كما يتم إجبار المستورد أو التاجر على عمل تعهد بعدم الاستيراد من ميناء عدن مرة أخرى.
ويدعو تجار ومسؤولون في القطاع الخاص جميع الأطراف في اليمن إلى إيقاف حرب الإجراءات، فحين خفت أصوات الرصاص والمعارك تعالت أصوات الإجراءات والتضييق على القطاع التجاري، وعلى حركة وتدفق السلع بين المحافظات والمدن.
يلاحظ في السياق، أن الجمارك في ميناء الحديدة أعلى بنسبة 25% عن الرسوم في ميناء عدن، لكن تكاليف شحن السلع والمنتجات براً من ميناء عدن أعلى بكثير عن فارق التعرفة، خصوصاً إلى مناطق سيطرة الحوثيين نتيجة تكاليف الجمارك المفروضة.
بحسب بعض التجار، فإن هناك نقاطًا للجباية استحدثت لتحصيل الأموال أثناء انتقال الحاويات من الرصيف إلى بوابة الخروج في الموانئ، إضافة إلى احتكار النقل البري، وارتفاع رسوم الأرضية وغرامات التأخير.

كما تبرز قضية التلاعب بالضمانات المالية في جمرك ميناء الحديدة التي أُثيرت منتصف العام 2023، في أعقاب التوافق بين جميع الأطراف بوساطة خارجية على إعادة فتح وتشغيل ميناء الحديدة، بعد سنوات من الإغلاق بسبب الحرب والصراع في اليمن.
وتتسبب تحديات النقل الحالية في اليمن بارتفاع الأسعار بشكل أسرع من أي مكان آخر، وهي عامل مهم في ارتفاع التكاليف الإجمالية في اليمن، حيث تُعد تكاليف النقل اليوم أغلى بخمس مرات من أسعارها قبل الحرب في العام 2014.