نحتفل بلا وطن

12:54 2024/05/23

على وقع أسوأ مرحلة في التاريخ ، وأسوأ أزمة إنسانية،
وحرب وحصار ، نحتفل ..
بماذا نحتفل؟، لا أدري، هل بضياع الثورة و الوحدة أم بفقدان الوطن؟!

كلنا في مهب الريح، و نحتفل ..
يا ناس، يزيدنا الاحتفاء ألما وتبدو جراحانا غائرة وأرواحنا ضيقة، ليس فيها ثقب يتسرب منه الفرح; فالواقع مخزٍ .

عادت الإمامة بنسخة سيئة جدًا، والوحدة لم تعد من الثوابت، والوطن صار مرتعًا للذئاب وملجأ مزدحما بالنازحين اليمنيين.

اليوم، ذكرى أفضل المنجزات في تاريخ اليمن واليمنيين وللأسف شغلتنا الحزبية والمناكفات..

في مثل هذا اليوم (22 مايو 1990م ) أشرقت شمس الوحدة اليمنية على كل التراب الوطن،
و رحم الله الشهيد على عبد الله صالح وأطال بقاء الرئيس على سالم البيض وسلام الله عليهما وعلى من كان معهما الى يوم الدين، لأن بصماتهما ستظل على جدارية التاريخ لا يطمسها العناد والمقامرة فوق جثة الوطن ..

اليوم، يتربص بنا العدو ويريدنا عبيدًا، ونحن نتصارع مثل الثيران لا نستشعر الخطر ..
في مثل هذا اليوم ذهب  "العليان" للوحدة بلا خطر تاركين خلفهم  أوزارهم والمصالح والأنانية، وقدموا التنازلات للوصول لهذا اليوم العظيم الذي ابكي اليمنيين ..
ماأحوجنا اليوم لهذه التنازلات للصمود والانتصار على الإمامة الجديدة والمحافظة على الوحدة ..
يكفينا استعراضات ومؤسسات وقيادات من ورق وبلا وطن ..

فلا اعتقد أن هناك وطن متشظيًا أكثر منا في هذا العالم، ولا رؤساء أكثر منا، وليس هناك من يئن أيضًا مثلنا..

في احتفالات الوحدة زمااان، كانت أرواحنا تحلق في السماء على إيقاع الخطوة المعتادة للجيش اليمني وكتائبه المهيبة في السبعين .. تذكرنا مقاطع الفيديو بعزتنا وكرامتنا وجيشنا وتفيض الدموع عندما ترتفع راية الوحدة والجمهورية اليمنية خفاقة وقلوبنا تكاد تطير معها للسماء ..

كان الاحتفال يمنحنا عنفوانًا قرآنيًا بالبأس والقوة والأمن و الأمان والاطمئنان.. وحاليًا صرنا نكره الاحتفال والعبث وتزييف المشاعر وهدهدة الأوجاع والقفز فوق الواقع وقرع الطبول على نعش الوطن الذي يعيش مرثاة سومرية حزينة ..

لنا وطن تخطفته الطير أرضًا وسماءً وقيادات هزيلة بأحلام العصافير، وأرواحنا منهكة لاهثة وراء الكرامة والسلام الموعود الضعيف..
لا يمنحك العالم السلام وفي داخلك تعشعش الفوضى وتحكمك الشياطين، ولن يتألم معك أو يربت على جراحك  أحد عندما يكون وطنك عليلا ..
إننا بحاجة للاغتسال من النوايا والمكر السيء لكي تتعافى بلادنا ..
لن نقامر مثل أولئك البعيدين عن مأساتنا، والأغنياء من جوعنا، والمستثمرين بأوجاعنا ..لا تعلمونا الوطنية والجلوس أمام العلم وخلف الشاشة فنحن أدرى ببلادنا وشعابها لأننا ننام على ترابها الدافئ ونسمع صدى الأنين يسري في تفاصيل خارطتها ونحس غضب براكين حدودنا الرملية والشاهقة ..
لن نزايد ولا نستطيع أن نتجرد من أوجاعنا ونحتفل ...
إننا ببساطة شعب مسحوق حتى العظم.. لن نكذب على أنفسنا وأرواحنا ومستقبلنا ينزف دمًا كل لحظة ولا نصدق كلماتكم ومصطلحاتكم وفلسفتكم القادمة من وراء الحدود .

لا نريد أحدًا أن ينظر لنا بعين الرحمة ولا يد المساعدة وليس معنا على الأرض المحروقة، ولا نريد أحدًا يطعمنا الوهم ويتحدث عن الديمقراطية والمستقبل بعد أن صرنا  بلا حاضر ولا مستقبل ..

لا تخدعونا كل الوقت، يكفي.

فقد كان لدينا وطن هو لنا أم رؤوم ننام في حضنها بسلام لا نخاف الجوارح والمليشيات  ..
كانت سماؤه تحرسنا وملتقى لأحلامنا و رائحه ترابه تختلط بدمنا، وكان محرابًا مهابًا، واليوم يعد أسوأ بلد وأسوأ أزمة في العالم، وسجن، ومقبرة  ..

إنني اعتقد أن توصيفات المجتمع الإنساني لا تتطابق مع أوجاعنا وجراحنا العميقة المتخثرة، وضياع عشر سنوات من عمرنا ومأساة تنمو مع الأطفال وقهر النساء والرجال الجاثم على صباحاتنا ..
لسنا بحاجة لكلمات وخطابات من الخارج لأنها تشعرنا أننا مُزقنا شر مُمزق مثل نسيجنا الوطني وخارطتنا المخربشة ..
نحن بحاجة الى رئيس واحد، وخطاب واحد، وجيش واحد، وقرار واحد، ووطن واحد.. نحن بحاجة أن نلتفت لليمن من بين غبار المصالح والبطولة الزائفة أو أن تحسسونا بعين الرحمة، نحن بحاجة لليمن فقط...

لم يعد فينا عرق لمواصلة الحياة ، كيف سنعيش او سنواصل العيش في وطن كله مربعات ملغومة تحكمها عقلية الطبائن والقادة الجدد الذين لم يلطخهم غبار الوطن وعرَقً الوطنية؟
إننا بحاجة لعبق الديمقراطية والانتخابات وفضاء الحرية والصحف وإزالة الحواجز فَوَق الجسد الواحد، بحاجة أن نكون واحدًا تحت سقف وطن واحد ..
من سيصلح هذه الأخطاء التي أثقلت شعبًا بأسره؟، من سيكون شجاعًا ويعترف بانحراف البوصلة؟
إننا بحاجة أن نعترف بأخطائنا وملوثاتنا، والاعتراف فضيلة.. لنبدأ من جديد وضع مداميك صلبة لوطن نسكنه ويسكننا ..
نغلق طريق الكارثة، ونزوات المنافسة، والثرثرة والكلمات في الأعياد والمناسبات التي لا تعبر إلا عن أصحابها الهاربين من الجحيم وَلُا يعيشون بيننا..

يردد من نلقاهم ان اليمن كانت قرية آمنة مطمئنة، وان كنا نتفق أو نختلف معهم، لكن الواقع جعلنا منكسرين .. نحن أصل العرب و لا زلنا أشد نفاقا، ولذلك باعد الله بين أسفارنا، لأننا قوة وبأسا، نعم ، لكن بلا عقل، وهنا الكارثة، ولذلك أصبحنا كل حزب بما لديهم فرحون، بلا وطن، ومع ذلك نحتفل بشعلة تحرق ما تبقى من عروق مصلوبة بالألم ..

إننا في هذا الوطن المكلوم نريد أن نفرح ونحتفل ونغني ونرقص من أعماق قلوبنا وبدون تكلّف او استثمار للمشاعر، لكننا مكبلين بالخزي، ولم يعد هناك متسع للفرح بعد أن أصبحنا كعكة عيد ميلاد تتقاذفها أيدي الأطفال..

لم يعد لدينا عبد الكريم الارياني وعبد العزيز عبد الغني ولا سالم صالح محمد ولا ابو بكر العطاس ولا أؤلئك الكبار والثقال في ميزان العقل والوطنية، بل ثعالب أكلت ثعالب لا تشكل لهم أوجاعنا إلا رصيدًا في البنوك والعمالة  ..

إن مُر الايام جعلتنا نَحلم بسبتمبر وراية الوحدة من جديد ..نريد أن نعيد القرن الماضي من البداية ونستولد الزبيري والنعمان ولبوزة وصالح مصلح وعبود والقردعي والابطال الذين وهبوا أرواحهم للوطن، والفرق أن لدينا ضباع لا تشبع إلا بجثه الوطن، ويبحثون عن النصر والسلام والدولار..
إننا بلا نهايات، ونحن بهذه العقليات الطائشة ..

لقد جعلتنا الحرب ندرك كم أن الإمامة كانت موجعة وكارثة، وعظمة الثوار وإخلاصهم وعظمة الوحدة وحب أولئك الوحدويون 
الذين تعانقوا ليترفع علم الوحدة اليمنية شامخا ..

لا نريد أكثر من الوطن .