الوحدة مطلوبة عقائدياً
ليس من الإنصاف و لا من اللائق أن تمر علينا هذه الذكرى العزيزة، الذكرى الرابعة والثلاثين للثاني والعشرين من مايو ألف وتسعمائة وتسعين ميلادية، دون أن نتكلم عنها ولها، وأن نوضح جملةً من القضايا التي لها علاقة بالوحدة المباركة حتى نضع الرؤيا الإسلامية لمثل هذه القضايا دون تهويل ولا تهوين ولا ميل لحزب، أو فئة، أو تكتل، أو قبيلة، أو شخص، أو مصلحة دنيوية، بل الهدف هو أن نضع الإجابات الصحيحة لبعض الأطروحات التي نسمعها من هنا وهناك، وسيكون مرجعي في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين من تمسك بهما لن يضل أبداً كما قال الني صلى الله عليه وسلم (( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله وسنتي )).
إن أول ما سأتحدث عنه هو عن أهمية الوحدة بشكل عام. فالوحدة ضرورة كونية ( وحدة الخلق - وحدة السير - وحدة المصير)، والوحدة مظهر من مظاهر كل الكائنات الحية (قطعان الحيوانات البرية- خلية النحل- مساكن النمل).
كما أن الوحدة مظهر إسلامي وتشريعي (الصلاة الحج الصيام)، ومطلب إسلامي. لذلك كان من أهم أعمال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين عند وصوله المدينة - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
وقد جاءت الآيات والأحاديث تبين أهمية التوحد والإعتصام وخطر التشرذم والإفتراق . ويقول الله عز وجل في الآية الكريمة: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).. (103) سورة آل عمران .
ويقول الله عز وجل محذراً (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).. (105) سورة آل عمران.
ووضع الإسلام قواعد أخلاقية إيمانية لدعم الأخوّة وحمايتها من كل ما يعكر صفوها ويعرقل سبيل عملها فأمر بالتعاون على البر والتقوى فقال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) سورة المائدة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )).
وأمر الإسلام بوجود إصلاح ذات البين في حال الإختلاف بين المسلمين حين ينزغ بينهم شياطين الجن والإنس يوقعوا بينهم العداوة والبغضاء فقال الله سبحانه وتعالى (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).. (10) الحجرات.
وأقر الإسلام حقوقاً وواجبات يقوم بها المسلمون فيما بينهم كما قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والأخرة )).
وقال أيضاً (( حق المسلم على المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا أستنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)).
ونهى الإسلام عن كل ما يسيء إلى الأخوة في الإسلامية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لاتحاسدوا ولاتناجشوا ولاتباغضوا ولاتدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله أخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا بحسب أمرئ من الشر أن يقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ولكي تقل المنكرات ويختفي الظلم والبغي وتنقطع شجرة الفساد شرع الإسلام قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال الله سبحانه وتعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).. (110) آل عمران.
وقال عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).. (104) آل عمران.
أيها الأخوة الأفاضل الكرام قد من الله عز وجل بالوحدة المباركة لتكون نبراساً ومنارةً للعرب جميعاً وخاصة ونحن في عصر النكسات والهزائم والإحباطات ومن حق أي يمني أن يزهو ويفتخر بها ويدافع عنها في حال واجه من يدعو إلى الفرقة والإختلاف.
ينبغي للوحدة ان تكون مصدراً للقوة والعزة والإفتخار لا أن يجعلها البعض شماعة يعلّق عليها أخطاء الأخرين، ولا أن تكون شماعة لأخطاء الفساد والفاسدين، فالوحدة اليمنية مطلب ديني ومكسب وطني وإنجاز تاريخي لا يجوز التفريط فيها مهما كلف الأمر ومهما قدمت من تضحيات.
قضية أخرى يجب ان نفهمها جيداً وهي أن الوحدة ليست السبب للفساد المالي والإداري وليست مقرونة بالفقر والظلم والمحسوبية، بل هي صمام أمان والوحدة دين وعبادة وكرامة وليست مشروعاً يخضع للتصويت أو المداولة بل هي من الثوابت الوطنية التي لا غنى عنها ولا تراجع .
فلنكن يدًا واحدة في الدفاع عنها من خطر أصحاب القلوب المريضة وأصحاب الأهداف الشيطانية البغيضة، ولنتذكر قول الله سبحانه وتعالى وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) المؤمنون.
ما أجمل ان يعيش المجتمع بهذه الأخوة وهذه الوحدة، وينعم بالأمن والأمان في وطن واحد يحبه الجميع، ويسعى كل فرد فيه للحفاظ عليه وتنميته وإزدهاره، جميع أفراده متساوون في الحقوق والواجبات لا فرق بينهم ولا تمايز. فحب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب إرتباطاً لا إنفكاكاً عنه يلازمه في كل مكان في حله وترحاله .
حب الوطن يظهر في إحترام قوانينه وأنظمته ويظهر في الحفاظ على منشآته ومنجزاته، وفي الإهتمام بنظافته وجماله . حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه والموظف في إدارته والمعلم في مدرسته ... الخ.
حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته وفي تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح البلاد والعباد .. حب الوطن يظهر في الحفاظ على أمنه وإستقراره والدفاع عنه وفي نشر القيّم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع .
وفي المقابل، أقول لأولئك الذين يستغلون الناس ويستغلون ثروات البلاد وأقوات العباد سواءً كانوا تجاراً أو نواباً أو مشائخ أو مسؤولين أو متنفذين أو غيرهم، أقول لهم إتقوا الله في أقوات الناس ومشاريعهم وحقوقهم فلا تكونوا سبباً لإلقاء اللوم عليهم من دعاة الانفصال وشرذمة الحاقدين في تحميل البلاد والعباد ما لا يطيقون من أزمات تلو أزمات وخسائر مادية وبشرية فادحة.
ولتعلموا أنكم مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى عما أسترعاكم عنه (( فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته )).
لا بد أن تتحقق فينا مبادئ الأخوة الإيمانية وان ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )).
وليسعنا جميعاً أن نجعل الأخوة الإيمانية سلوكاً عملياً في الحياة نرضي بها ربنا ونقوي بها صفنا ونحفظ بها أمتنا ومجتمعنا ووطنا .
ولنحذر من الممارسات الخاطئة واللامسؤولة التي تشكل خطراً على وحدتنا كنشر العصبية والمناطقية والفئوية والحزبية والإختلافات المذهبية وليقف كل واحد منا في وجه كل متربص بوحدتنا ممن يرفعون رايات الانفصال والتمزق والفرقة .
فالوحدة وُجدت لتبقى وتبقى وتدوم إن شاء الله تعالى رغم أنف الحاسدين والمرجفين.
ونسأل من الله العلي العظيم رب العرش العظيم أن يحفظ البلاد والعباد واليمن من كل مكروه إنه نعم المولى ونعم النصير..
والله من وراء القصـد .