Image

بفساد بلغ قرابة مليار دولار خلال 5 أعوام .. أزمة كهرباء عدن سياسية مرتبطة بأجندة خارجية

تتواصل أزمة كهرباء عدن للشهر الثاني على التوالي، وللعام التاسع تواليًا، دون ان تجد حلولًا ناجعة وجذرية للمشكلة التي ألقت بتبعاتها وعتمتها على سكان المدينة الذين افترشوا السواحل والساحات والحدائق العامة، بحثًا عن نسمة هواء باردة.
فمنذ بداية شهر ابريل الماضي، تشهد مدينة عدن ازمة كهرباء خانقة، استفحلت مع بداية الشهر الجاري "مايو"، نتيجة خلافات سياسية بين اطراف العمل السياسي في عدن، دون التوصل الى حل رغم التصريحات عن وصول كميات من الوقود إلى محطات التوليد.
وعلى مدى الأيام العشرة الماضية، استفحلت ازمة الكهرباء بالمدينة، ووصلت ساعات الانطفاءات فيها إلى 12 ساعة مقابل ساعة خدمة واحدة، قبل ان تنقطع بشكل نهائي لتستمر 24 ساعة قبل ان تعود تدريجيًا إلى وضع الـ 8 ساعات انطفاء مقابل ساعة ونصف خدمة.

اتهامات وتصريحات كاذبة 
وعلى الأيام الأربعة الماضية، تبادل مسؤولون في حكومة المناصفة بعدن الاتهامات بالتقصير في توفير الوقود للمحطات، فيما فشلت الحكومة فعليًا في اقناع السلطة المحلية في حضرموت بتزويد محطة بترومسيلة اكبر محطات التوليد في عدن بالنفط الخام، حيث اشترط محافظ حضرموت بن ماضي تقديم شحنة مازوت مقبل النفط الخام.
وتعيش عدن وضعًا مأساويًا نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في ظل ارتفاع درجة الحرارة، ما دفع سكان المدينة لأول مرة للخروج إلى السواحل والحدائق والساعات العامة والفنادق، هروبًا من ارتفاع درجة الحرارة في منازلهم، وبحثًا عن نسمة هواء باردة تدفعهم للنوم في ظلها.

سخط واستياء واسع
وشهدت احياء عدن المختلفة، حالة من السخط وأعمال الشغب والمظاهرات الاحتجاجية التي صاحبتها إحراق للإطارات وقطع للشوارع على خلفية توقف خدمة الكهرباء بشكل نهائي، فيما حاولت بعض الجهات تسويق معالجات كاذبة لتهدئة الأوضاع.
وحاولت بعض الجهات المسيطرة في المدينة تهدئة الأوضاع من خلال الترويج لوصول الوقود الخاص بمحطات التوليد، فيما اتضح انها خدع كاذبة لمحاولة كسب الرأي العام لصالحها، ما أكدها تأخير عودة المحطات للخدمة والذي استمر لمدة يومين كاملين، قبل ان تبدأ بالعودة تدريجيًا بوضع مأساوي تسيطر فيه ساعات الانطفاءات على المشهد، حيث تتراوح حاليًا بين 8 ساعات انطفاء مقابل ساعة نصف خدمة.
وكشف اليومين الماضيين ان تصريحات تلك الجهات عبارة عن ذر الرماد في العيون، حيث لم تتحسن خدمة الكهرباء بل زادت سوءًا يوم الاربعاء حيث بلغت ساعات الانفطفاء تسع ساعات مقابل ساعة ونصف خدمة، الأمر الذي دفع أوساط اجتماعية بعدن لإطلاق تحذيرات بحدوث مظاهرات وثورة خدمات ستأتي على جميع الفاسدين الذين يتاجرون بمعاناة المواطنين ويستخدمون ملف الكهرباء كل صيف كورقة للمساومات والمحاصصة وتقاسم المصالح والأموال.

معاناة فساد صيفية 
وتستغل مكونات سياسية وعسكرية ملف الكهرباء منذ تحرير عدن من مليشيات الحوثي الارهابية "وكلاء ايران" في 2015، كورقة ضغط لفرض وجهة نظرها واجندتها التي يرفضها المجتمع العدني، للحصول على محاصصة في الوظيفة العامة والمناصب العليا، إلى جانب استخدامها للثراء وممارسة فساد تنعكس آثاره على المواطن مباشرة، لما لها من تأثيرات صحية على مرضى الربو والسكري والامراض الزمنة والاطفال الصغار وكبار السن، فضلًا عما تخلفه من أضرار اقتصادية على تجار التجزئة، وتحقق مصادر مالية لتجار الطاقة البديلة ومعظمهم من مسؤولي الحكومة الفاسدة.
ورغم التبريرات التي تسوقها المؤسسة العامة للكهرباء في عدن المتمثلة، (بعدم وجود وقود او خروج المحطات نتيجة خلل فني، او بغرض الصيانة)، بات المواطن في عدن مقتنعا بأن ما يدور في فلك تعطيل خدمة الكهرباء، قضايا سياسية وفساد منظمة تقودها شخصيات وقيادات معروفة لدى الجميع.

فساد بملايين الدولارات 
وتحمل أزمة كهرباء عدن العديد من ملفات الفساد التي تم رصدها رسميًا من الجهات المختصة كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وشخصيات اقتصادية وسياسية في اطار الحكومة الشرعية، قدمت وثائقها إلى البرلمان، الذي خاطب الحكومة بشأنها دون ان يتم اتخاذ أي اجراءات عقابية ومحاسبة بشأنها، الأمر الذي يؤكد بأن ملف الكهرباء بفساده الكبير، ملفا سياسيا يخضع لعوامل المحاصصة والتقاسم وفرض أجندة تخدم جهات ومكونات سياسية وعسكرية وحتى دول اقليمية.
وكانت ملفات الفساد التي تم تداولها خلال السنوات الاخيرة بشأن الكهرباء المشتراه في عدن والتي تراوحت ما بين 270 إلى 354 مليون دولار، إلى جانب قضية فساد اعتمادات انشاء محطة توليد جديدة بشراكة صينية والتي بلغت حوالي 600 مليون دولار، والتي تم اعتمادها من قبل الجهات الحكومية رسميًا، وصرفت لجهات مجهولة في العام 2018، ومرت دون محاسبة وعقاب، وفقًا لمصادر في المؤسسة العامة لكهرباء عدن ووثائق تم تداولها إعلاميًا وفي أروقة البرلمان والأجهزة والجهات الحكومة المختصة.
ووفقًا لتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والوثائق التي قدمت من رجل الاعمال احمد العيسي للبرلمان، بشأن فساد كهرباء عدن، فإن الحكومة واطراف رسمية اخرى متورطة بشكل كبير في فساد الكهرباء والنفط والاتصالات، خاصة في عهد حكومة معين عبدالملك الذي تم اقالته مؤخرا، إلى جانب جهات حزبية على رأسها حزب الاصلاح الذي استغل ازمة كهرباء المدينة وانشاء محطات متهالكة للحصول على عقود تحت مسمى "الطاقة المشتراه" والتي كانت تقتصر على محطات "السعدي، والاهرام وقطر" وكلها محطات تتبع حزب الاصلاح.

أزمة كهرباء سياسية
وفي هذا الاطار، تحدثت مصادر متعددة، بأن أزمة الكهرباء مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجانب السياسي المتذبذب بين اطراف الحكومة المعترف بها دوليا، تمتد على دول اقليمية لديها مصالح وتدخلات في المناطق المحررة.
وتؤكد المصادر، بأن أزمات الخدمات وعلى راسها الكهرباء في عدن والمناطق المحررة، إلى جانب استفحال الازمة الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها المدينة والمناطق المحررة، مرتبطة هي الاخرى بخلافات الاطراف المذكورة، تشتد مع كل حديث عن وجود تغييرات وتعيينات جديدة، وكذا مع تطورات المسار التفاوضي لتحقيق السلام في البلاد الذي ترعاه الامم المتحدة واطراف اقليمية.
كما تؤكد المصادر، بأن أزمة الكهرباء الحالية، مفتعلة وليست مرتبطة كما يتم الترويج له بعدم وجود الوقود الكافي لتشغيل محطات التوليد، بل مرتبطة بالتحركات الاقليمية والدولية بشأن فرض رؤية سلام، تسعى بعض الاطراف للحصول على مكاسب منها، وهو ما ترفضه اطراف اخرى مسنودة بتوجه اقليمي ودولي.
واعتبرت المصادر، بأن ممثلي القوى الموجودة في عدن، لا تملك قرارها وانما تتلقى الأوامر من دول خارجية، وانها عبارة عن أدوات شطرنج تحركها تلك القوى الاقليمية كيفما تشاء ومتى تشاء، مقابل أموال تدفع لهم نهاية كل شهر توفر لهم ولأُسرهم حياة كريمة خارج البلاد، فيما لا يتم وضع أي اعتبار للمواطنين في الداخل الذين يكتوون بنيران خلافاتهم المرتبطة بأجندة خارجية، على حساب المصلحة الوطنية واليمن عمومًا.

اتساع الأزمة 
واتسعت ازمة الكهرباء من عدن إلى جميع المناطق المحررة، حيث تعيش محافظتي أبين ولحج، انقطاع شبه تام للخدمة من أيام، بحجة عدم وجود وقود، وهي نفس الحجة التي جعلت كهرباء حضرموت تخرج عن الخدمة، وتفجر احتجاجات واسعة في المكلا.
كما شهدت المناطق المحررة في محافظة مارب ازمة كهرباء على خلفية تفجير ارهابي وقع في المحطة الغازية، قبل ان يتم اصلاحها واعادتها للخدمة بعد يومين من التوقف.
اما في المناطق المحررة في تعز، لا تزال خدمة الكهرباء خاضعة للمتاجرة بها من قبل قيادات حزب الاصلاح المسيطرة على تلك المناطق، والتي منعت وبشكل فاضح تشغيل محطة عصيفرة الحكومية للكهرباء بعد اعادة صيانتها.
وتبدأ جميع القوى التي اشعلت واستفادت من فوضى 2011 ، اتخاذ ملفات الخدمات خاصة الكهرباء، كأوراق ضغط ومتاجرة لتحقيق مكاسب مالية وسياسية، خاصة مليشيات الحوثي التي حولت تلك الخدمة لمصدر للتربح والثراء لعناصرها الارهابية، من خلال استخدام محطات الكهرباء الحكومية وخطوط النقل ومحطات التحويل، لصالح مشروعها الخاص على حساب المواطنين.
وتعيش المدن اليمنية حاليًا كارثة ادارة واستغلال تمارسها قوى الفساد التي انتجتها فوضى 2011، خاصة فيما يتعلق بملف الخدمات وعلى راسها الكهرباء ذات الاهمية المتعددة اقتصاديا وصحيا وتعليميا وتجاريا واجتماعيا قبل ان تكون اهمية سياسية.
وتعمل تلك القوى على استغلال المنشآت الحكومية ذات الطابع الخدمي التي تم بناؤها وانشاؤها في عهد الدولة التي قاد مسيرتها الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، والتي عملت تلك القوى وتآمرت على إسقاطها مع قوى اقليمية ودولية، بحجج وشعارات أثبتت السنوات الــ 13 الماضية بأنها كاذبة وهدفها المتاجرة والتربح والثراء وتقاسم السلطة والثروة على حساب الوطن والمواطن.