الحروب السلطوية والمعاناة الإنسانية

11:51 2024/05/12

تتواصل معاناة الأمم والشعوب البشرية نتيجة الصراع المستمر على السلطة والحكم في كل زمان ومكان . ففي سبيل وصول أفراد أو جماعات يرون أنهم أحق بالحكم والملك والسلطة من غيرهم ، سفكت الدماء أنهاراً ، وأنتهكت الحقوق والحريات أزماناً ، واستعبد الإنسان أخاه الإنسان ظلماً وعدواناً ، وسيقت الحرائر تباع في الأسواق سبايا ، وهدمت المباني والقصور فصارت أنقاضاً ، وسكنت الأحزان والألام قلوب الأرامل والثكالى ، وتحطمت الآمال والأحلام في قلوب الشباب والعذارى ، وتحولت الحياة البشرية إلى غابة تعبث بها الوحوش ظلماً وطغياناً .. كل ذلك من اجل إشباع نزعة الهيمنة والتسلط لدى البعض دون اكتراث بمصير المجتمعات والشعوب ، ودون اكتراث بحجم المعاناة والكوارث التي تتجرعها تلك الشعوب بسبب الحروب والصراعات السلطانية ..

كيف استطاع أفراد وجماعات قليلة أن يغيبوا عقول الملايين من البشر ، وأن يسوقوا الكثير منهم للموت والهلاك وخوض غمار الحروب بالنيابة عنهم ودفاعاً عن ملكهم وسلطانهم ، وهم يعيشون في قصورهم الفارهة ، ويتنعمون بملذات الحياة المختلفة؟ ، في صورة تعكس مدى بشاعة استغلال واستغفال الإنسان لأخيه الإنسان .

ورغم ان الكثير من الحكام ينالون جزاءهم في نهاية المطاف إلا أن ذلك لا يأتي إلا بعد أن تضحي الشعوب بالكثير الكثير من أبنائها ، وتتجرع الكثير من صنوف وأشكال المعاناة والمآسي ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يشعر الحكام بالمآسي والأهوال والتضحيات التي تقدمها الشعوب ، نتيجة الحروب والصراعات التي يفرضونها عليها ، سواء للاستيلاء على السلطة أو للحفاظ عليها؟ ، حتماً لا يدرك الكثير من الحكام شيء من كل ذلك ، بل إن الكثير منهم يرون في تضحيات ومعاناة أفراد الشعوب واجباً عليهم وحقاً لهم عليهم ، فلا ضير ان يقتل من قتل ويهلك من هلك ، ولا ضير أن تتجرع الشعوب كل اشكال المعاناة والمآسي دفاعاً عن حكمهم وسلطانهم ، لأنهم لو كانوا يشعرون ويدركون كل ذلك ، لبذلوا كل جهودهم ولقدموا كل التنازلات الممكنة لوقف الحروب وتحقيق السلام لإنقاذ الشعوب وللتخفيف من معاناتها ومآسيها ، بل إن ما يؤكد عدم شعورهم بمعاناة الشعوب وعدم الاكتراث بها وبأحوالها ، هو إصرارهم على الحروب ورفضهم للسلام ، حتى وإن كان المطلوب منهم تقديم أقل التنازلات ، فهم لا يرون أن شعوبهم تستحق منهم تقديم أي تنازلات يمكن ان تؤثر على سلطانهم وملكهم ..

لذلك تستمر الكثير من الحروب فترات طويلة ، ولا تتوقف إلا بالهزيمة لأحد الأطراف ، أو باستسلام طرف عندما يشعر بالخطر على نفسه وثراوته ، أو بقبوله للسلام مرغماً عندما يدرك بأن الحرب لم تعد في مصلحته ، لكن من النادر جداً أن تتوقف الحروب ويتحقق السلام نتيجة احساس او شعور الحكام بمعاناة ومآسي شعوبهم ، ومن النادر أن يقدم الحكام بعض التنازلات من أجل شعوبهم ، لتظل الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها هي حطب الحروب والصراعات على السلطة ، فنزعة الحكم والهيمنة والتسلط تدفع أصحابها إلى الإستهانة بالدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق ، والدموع التي تسكب ، والحقوق والحريات التي تنتهك ، ونزعة الحكم والهيمنة والتسلط تفقد أصحابها الشعور بالمسؤولية وتأنيب الضمير تجاه الشعوب المغلوبة على أمرها التي ساقتها الأقدار والظروف لتقع تحت قبضتهم ، ونزعة الهيمنة نفسها هي من تفقدهم الاحساس بمعاناة ومصائب الشعوب ، وتمنعهم عن تقديم أي تنازلات من اجل تخفيف المعاناة على تلك الشعوب ، ففي سبيل الحفاظ على السلطة او الاستيلاء عليها تسقط كل القيم الانسانية والاخلاقية والدينية والوطنية ، وتظل مجرد شعارت للاستهلاك المحلي بهدف تضليل الشعوب واستغفالها وتخديرها ، ومبرراً لقمعها واخضاعها واجبارها على الاستمرار في الحروب استجابة لإشباع نزعة الهيمنة والتسلط في نفوس الحكام ودفاعاً عن سلطانهم وملكهم .