القوة الغضبية ..!!
الغضب والانفعال طبيعة بشرية تدفع بالإنسان نحو العدوانية والتصرفات المتهورة الغير محسوبة العواقب ، والكثير من الناس عندما يغضبون يفقدون السيطرة على أقوالهم وأفعالهم ، والقوة الغضبية إذا زادت عن حدها وأصبحت المسيطرة والمهيمنة على سلوكيات وتصرفات الإنسان ، كانت متسلطة وظالمة وأنانية وحاقدة وطاغية وعدوانية ، إذا تكلمت فلا تتكلم إلا بالسوء من القول من سب وشتم وتجريح وسخرية وتحريض ...الخ ، وإذا تحركت فلا تتحرك إلا بالبطش والطغيان وانتهاك ومصادرة حقوق وحريات الآخرين ، وإذا صمتت فإنها لا تصمت إلا لقل الحيلة وعدم القدرة والاستطاعة على إلحاق الأذى والضرر بالآخرين ، وتضمر داخلها الغل والحقد والظغينة ، وفي نفس الوقت إذا نقصت القوة الغضبية أهدرت الكثير من الحقوق والحريات والواجبات ، فلا تنتصر لدينها ووطنها وحقوقها وكرامتها وانسانيتها وتقبل بالذل والهوان والعبودية ، وبذلك فإن الإفراط في الغضب يقود للطغيان والاستبداد والظلم ، والتفريط في الغضب يقود للخضوع والاستسلام والعبودية ، وأفضل الأحوال عند اعتدال القوة الغضبية داخل النفس البشرية ، لأنها في هذا الوضع لا تغضب ولا تثور بدون سبب يستوجب غضبها ، وفي نفس الوقت لا تتأخر عن الغضب دفاعاً عن الحق والفضيلة والعدالة والمساواة والحقوق والحريات الإنسانية ، ودفاعاً عن الثوابت الدينية والوطنية والقومية ..!!
والقوة الغضبية باعتدالها وتوازنها والسيطرة عليها والتحكم بها تمنح الإنسان التميز عن الآخرين ، قال تعالى (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) ، (( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون )) ، والسيطرة على القوة الغضبية ليس بالأمر السهل بل إنه من الصعوبة بمكان ، فهي تحتاج لصدق الإيمان بالله تعالى ، وقوة العزيمة والإرادة ، وفي ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( ليس القوي بالصرعة إنما القوي من يملك نفسه عند الغضب ) ، فكبح هوى النفس والتغلب عليها والتحكم بها في مواقف الغضب ، هو المقياس الحقيقي والعملي لمعرفة صدق الإيمان وقوة العزيمة والإرادة داخل النفس ، ومن أبلغ وأشمل وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام قوله للرجل الذي جاء إليه وقال :- يا رسول الله أوصني ، فقال له عليه الصلاة والسلام ( لا تغضب ) ، لأن الشر كل الشر في الغضب وسرعة الانفعال ، فمنه يكون الظلم والبطش والطغيان ، وبسببه تهدر الحقوق والحريات ، وتهدم البيوت وتقع الاعتداءات وتسفك الدماء ، وتنتهك الحرمات ، فكل جريمة وفعل سلبي وعدواني السبب الرئيسي فيها هو الغضب ، فقد يدفع بالإنسان إلي قتل الآخرين بغياً وعدواناً وظلماً ، وإلى نهب وسلب أموالهم وحقوقهم ومصادرة حرياتهم ، بل إن الغضب المتواصل يرجع على الإنسان نفسه بالأذى والضرر ، وما أكثر وأخطر الأمراض الناتجة عن الغضب في عصرنا الحاضر ، كالسكر والضغط والجلطات الدماغية والقلبية وغيرها ..!!
فالإنسان العاقل والمتوازن نفسياً وسلوكياً لا يغضب إلا عندما يستدعي الأمر الغضب ، وعندما لا يكون أمامه من خيار سوى الغضب ، وبعد أن يستنفذ كل الخيارات الأخرى ، وبعد أن تغلق في وجهه كل السبل والمسالك ، وبعد أن يبلغ الصبر منتهاه ، لأنه بذلك يكون قد حمل الطرف الآخر الحجة ، وأصبح من حقه الغضب لدفع الظلم والطغيان عن نفسه وأسرته ومجتمعه ، فالكثير من الطغاة والمستكبرين والجبابرة في كل زمان ومكان ، يدفع بهم جبروتهم وقوتهم وسلطانهم ونفوذهم إلى تجاهل مطالب وحقوق الآخرين ، وإلى ممارسة المزيد من الظلم والاستبداد والبطش والسلب والنهب ضدهم ، وإلي مصادرة المزيد من حقوقهم وحرياتهم ، يدفعهم إلى ذلك غرور السلطة والقوة والنفوذ ، وفي هذه الحالة يصبح الغضب الفردي والجمعي واجب شرعي لمقارعة الطغاة والمستكبرين ، وإعادة الحقوق إلى أهلها والأمور إلى نصابها ، وما تلك الثورات الجماهيرية الكثيرة عبر الزمن إلا تعبير عن الغضب الجمعي ، ولا يحدث الغضب الجمعي إلا عندما يتجاوز الظلم والطغيان والاستبداد مداه ، ويتجاوز قدرة الناس على الصبر والتحمل والتغاضي ، وحدوث الغضب الجمعي ليس وليد لحظة بل نتيجة تراكمات طويلة ..!!