بين صراع الداخل وتواطؤ الخارج.. اليمن يعيش خلافات سرية تنعكس آثارها على حياة المواطنين المعيشية
تراجعت مستوى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق المحررة خلال الفترة الاخيرة خاصة العاصمة المؤقتة عدن على وقع خلافات سرية تشهدها أروقة الحكومة المعترف بها دوليا.
وتشهد عدن الواقعة "جنوب البلاد" منذ العشرين من شهر رمضان المبارك، تدهورا كبيرا في الخدمات الاساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات والانت والأمن، وغيرها من الخدمات، إلى جانب الارتفاع المضطرد لأسعار السلع والمواد الغذائية، ما دفع سكان المدينة للتنديد بالجهات المختصة بما فيها مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة لفشلهم في ضبط الأوضاع في جميع الجوانب.
خلافات سرية
ويؤكد عدد من الموظفين العاملين في جهات رسمية متفرقة في عدن، وجود خلافات سرية في اروقة مجلس القيادة وحكومته، على خلفية تقاسم الوظيفة والثروة في المناطق المحررة، وهي المعضلة الرئيسية التي تعاني منها جميع مناطق البلاد حتى الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي الارهابية المدعومة ايرانيا.
ويقول "احمد خالد" موظف في كهرباء عدن، بأن قطاع الكهرباء في عدن يخضع في تقديم خدماته للمواطنين لمبدأ قبول الجهات المسيطرة على الارض ورضاها على أداء الحكومة ورئيسها، حيث يتم تضييق الخناق عليها من خلال استخدام الكهرباء برفع ساعات الانطفاء او العكس، لتحميل الحكومة ذلك اما بحجة عدم وجود قود او خرج المحطات عن الخدمة او تعطل في المحولات والكابلات وغيرها من المبررات الجاهزة.
واوضح بأن عدد المحطات العاملة في عدن إلى جانب دخول المرحلة الأولى من مشروع الطاقة الشمسية، تكفي لتزويد عدن والمناطق المجاورة لها بالكهرباء على مدى الساعة، وما يجري هو عبارة عن تلاعب بمعاناة المواطنين لصالح مكاسب سياسية واهداف ضيقة من قبل المكونات المختلفة المتواجدة على الساحة.
الهدف بن مبارك
ويرى شكيب نبيل، موظف في مؤسسة الاتصالات بعدن، بأن ما يجري في عدن من تضييق المعيشة على المواطنين من قبل الجهات المتنازعة والمتصارعة على الحكم في حكومة المناصفة، خاصة بعد تعين بن مبارك وحتى في زمن معين عبدالملك، يخضع لمبدأ مدى استجابة رئيس الحكومة للمطالب تلك المكونات التي تضع يدها بشكل كامل على جميع المرافق الخدمية والحكومية في عدن والكل يعرف من هي تلك الجهات.
ويتابع :" في بداية تعيين بن مبارك تسابق الجميع إلى تقديم الخدمات على أكمل وجه وشهدت خدمة الكهرباء تحسن كبير وصل بها الحال إلى انها كانت تلصي ست ساعات مقابل ساعتين أو اقل طافي، وكذا خدمة المياه التي كانت شبه يومية في معظم حارات المديريات، حتى خدمت الانترنت تحسن كثيرا خاصة خدمة عدن نت، وعندما بدأ بن مبارك يجري اصلاحات في بعض المؤسسات كهيئة الاراضي، وهيئة الاستثمار، وحتى المصافي، بدأت تلك المكونات برامج التضيق التي تستخدمها كوسيلة لإظهار الحكومة فاشلة في توفيرها وعادت الكهرباء لأسوأ ما كانت عليه قبل رمضان، خاصة مع دخول الحمى، حتى خدمة المياه التي لم تشهد أي تراجع في أدائها خلال سنوات تراجعت وباتت تنقطع على بعض الحارات لأيام.
واشار إلى ان خدمة اصلاح وترميم الشوارع واعادة تأهيلها توقفت، من قبل صندوق صيانة الطرق، بحيث ان بعض المشاريع توقفت كما هو الحال في كابوتا وشارخ الخمسين، وجولة السفينة، وفي الجانب الامني زادت الجرائم المعلن عنها من قبل المواطنين والاهالي، وكلها وسائل ضغط تمارس ضد الحكومة وفي اطار الخلافات التي تنشأ بين تلك المكونات الفاشلة اصلا منذ ما بعد تحرير المدينة من ميليشيات الحوثي فهي لا تملك رؤية وطنية كما كان عليه الحال ايام نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
انعكاسات قاتلة
وتؤكد اوساط اجتماعية عدة في عدن، بأن ما تشهده المدينة والمناطق المحررة من تدهور في الخدمات خاصة الكهرباء كما هو الحال في عدن ومأرب وحضرموت وتعز، تمثل انعكاسا لمستوى الخلافات في اطار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، فكلما اشتد الخلاف بينهم، اشتد التضيق على السكان في تلك المناطق خاصة عدن.
تعيش عدن حالة من التردي في جميع الخدمات، فلا تعليم كما كان في زمن الدولة، ولا خدمات طبية ولا صحية كما كانت وكلها تخضع للمتاجرة، ولا يتم صرف المرتبات في موعدها ويتم تأجيلها لاشهر بالنسبة للموظفين العاملين بالمؤسسات، فيما يتم تأجيلها لاشهر طويلة تصل الى اربعة وستة اشهر بالنسبة للموظفين النازحين.
واكثر ما يعاني منه المواطن في المناطق المحررة هو تدهور اسعار العملة المحلية التي تنعكس آثارها بشكل كبير وواقعي على أسعار السلع الاساسية والغذائية، وعلى اسعار بقية الخدمات بما فيها المشتقات النفطية التي تؤثر بشكل كبير على خدمة المواصلات الداخلية، فضلا عن رفع قيمة النقل للبضائع بين المحافظات، ويعود بشكل زيادة في اسعار السلع والبضائع والمنتجات المحلية وتشكل عبئ على المواطن.
ومن الانعكاسات القاتلة لتلك الخلافات السرية على المواطن، عدم وجود رقابة على عملية البيع والشراء في الاسواق المحلية خاصة في عدن التي وصل فيها سعر الواحد الروتي إلى 70 ريالا بدون زيادة في وزنه، وهو مؤشر خطير على حياة المواطنين الذين يناضلون من اجل البقاء في ظل تدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية وارتفاع الاسعار وتوقف المساعدات الخارجية.
حلول القرارات
وفي هذا الصدد، يقول المحامي رضوان راوح، مستشار قانوني في مؤسسات عدة، ان الخلافات الجارية في أروقة الحكومة ومجلسها الرئاسي سيتم معالجتها بإصدار قرارات تعيين جديدة لمكونات خاصة، وكما هو العادة سيتم اعادة مستوى تقديم الخدمات إلى حدها المقبول من قبل المواطن المغلوب على أمره.
وتوقع رضوان، صدور عدد من القرارات الوزارة الصادرة عن الحكومة ورئيسها او من مجلس القيادة لصالح عناصر تتبع الطرف المسيطر على الارض، وتخدم مشروعه المعروف لدى الجميع في الداخل والخارج، ومن خلاله سيتم اعادة بعض الخدمات الكهرباء والمياه الى ماكانت عليه سابقا اما بقية الخدمات فهي متوقف التحسن فيها وتحتاج لقدرات اكبر من المكونات الحالية.
ويرى المحامي راوح، بأن عدد من اعضاء مجلس القيادة ووزراء في حكومة بن مبارك، لا يستطيعون ممارسة مهامهم ويتم تقييد حركاتهم، وهم انفسهم يقبلون بالخضوع للمكون الاخر، وهذا ما ينعكس على حالة المواطن في عدن وبقية المناطق المحررة الذي يصاب بالاحباط وفقدان الامل بتحسن الاوضاع، كما ان ذلك ينعكس على حالة المواطنين في مناطق الحوثيين الذين يفقدون الأمل بالشرعية وقدرتها على تحريرهم من الحوثيين، في حين ان حالة الخلاف في صفوف الشرعية وخضوع وانقياد طرف لأخر يعطي الحوثيين فرصة لتنفيذ اجندتهم الايرانية على حساب اليمنيين في مناطقهم.
اخيرا.. تظل الأوضاع في المناطق المحررة تراوح مكانها فيما يتعلق بتوفير عوامل الاستقرار والانطلاق نحو استكمال التحرير، وتخضع لمدى قبول الاطراف الاقليمية بتصرفات بعض المكونات على حساب الاطراف الاخرى، ففي حالة توفرت الارادة الاقليمية والدولية في ممارسة الضغوطات على الاطراف المتصارعة سيكون هناك امل في اعادة عجل الحياة لليمن الذي لا يزال خاضعا لقوى الخارج، في انتظار انتفاضة داخلية تعيد البلاد إلى مسارها الصحيح.