Image

الأسعار والعوز أبرز سماته .. العيد في عدن .. فرحة للأطفال و همٌّ للكبار

امتزجت احتفالات عيد الفطر في العاصمة المؤقتة عدن، هذا العام، بـ "الفرحة والهم" متأثرة كبقية المدن اليمنية بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة التي ألقت بالكثير على كاهل المواطنين.
ومع استمرار جالة الانغلاق في الأوساط الرسمية في إيجاد معالجات للأزمات المختلفة التي انتجتها فوضى 2011 ، وانقلاب 2014 ، وعلى راسها الأزمة الاقتصادية والمعيشية، التي أثقلت كاهل المواطن نتيجة ارتفاع الأسعار وتدهور العملة ، وتوقف صرف المرتبات ، وتردي الخدمات ، مع ذلك وغيرها الكثير من الازمات السياسية والعسكرية والامنية، إلا أن فرحة العيد ارتسمت خجولة على شفاه أطفال عدن الذين عبَّروا عنها بالزيارات ، والألعاب ، و الملابس الجديدة .

فرحة على قدر الحال
ومن خلال ما شهده اليوم الأول لعيد الفطر في عدن، نجد ان فرحة العيد كانت متواجدة بحدها الأدنى في أوساط الأطفال الذين تواجدوا في أحياء المدن العدنية، فيما انعكست على محيا أرباب الأسر من الكبار، الذين كان همهم الأول توفير المتطلبات المعيشية ليوم العيد الأول، من لحوم وفواكه وخضروات.
يقول "ابو محمد"، من ابناء مديرية التواهي، بأن العيد فرحة للأطفال بالدرجة الأولى الذين لا يفقهون ما يدور من حولهم من أزمات معيشية نتيجة صراعات القادة والمسؤولين، اما الكبار فيكيفهم همّ البحث عن توفير متطلبات الاطفال والأسرة من احتياجات معيشية حتى لا تفقد الأمل في الحياة.
ويتابع :"هذا العام "فرحة العيد على قد الحال" كما يقال، فأزمة الاسعار وقلة الدخل، وتردي الخدمات، افقدتنا الكثير من الاحساس بفرحة العيد، كما افقدتنا روحانية رمضان".

مناسبة للأسرة 
أما أسامة نبيل، موظف حكومي، يرى ان العيد بات مناسبة خاصة بالأسرة، يتم من خلالها زيارة الأهل لتقوية الروابط وأواصر القربي التي بدأنا نفقدها نتيجة مشاغل الحياة التي فُرضت علينا في الآونة الأخيرة، كما انها فرصة لتبادل الحديث الأسري والذكريات التي كنا نعيشها في مثل هكذا مناسبات دينية في الماضي الجميل زمن وجود الدولة.
واوضح اسامة، بأن الأوضاع التي تعيشها عدن وبقية المدن اليمنية هذه الفترة جراء الأزمات التي اوجدتها الجماعات المرتبطة بالخارج، تجعلنا في الداخل نسعى بكل ما اوتينا من قوة للحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا من خلال زيارة الأهل ونشر الابتسامة في اوساط ذوي القربى خاصة الاطفال.

أسعار العيد
شهدت أسواق عدن أول العيد، ارتفاعًا كبيرًا في أسعار السلع الخاصة بمتطلبات العيد، خاصة اللحوم والخضروات والفواكه، حيث وصل سعر الكيلو اللحم البلدي "غنمي" إلى 18 الف ريال، بدل من 14 الف في رمضان، و800 ريال أيام ما قبل سقوط الدولة والنظام.
فيما بلغ الكيلو اللحم البلدي "عجل" 16 الف ريال للكيلو بدلًا من 13 الف في رمضان، و250 ريال ما قبل سقوط الدولة، في حين تراوحت أسعار الدواجن "الحي" في أول ايام العيد بعدن ما بين 7 و11 الف ريال للدجاجة المتوسطة الحجم، في قلة المعروض من الأسماك في أسواق المدينة، نتيجة تفضيل الأسر بمثل هكذا مناسبة اقتناء اللحوم فيها.

الفواكه والخضروات
ومع قلة المحال والباعة وإغلاق العديد من المحلات في المدينة خلال العيد، إلا أن من تواجد لبيع الخضروات والفواكه باسواق المدينة، عمد إلى رفع الأسعار لجميع أصناف الخضروات والفواكه بحجة انه "عيد" مستغلًا غياب منافسه من الذين فضلوا زيارة الأهل لقضاء إجازة العيد معهم على استمرارهم في البيع والشراء.

أهم متطلبات العيد 
ومع ارتفاع أسعار اللحوم والفواكه والخضروات، خلال العيد زاد الهم لدى أرباب الأسر الذين كابدوا خلال شهر رمضان في توفير متطلبات المائدة الرمضانية بحدها الأدنى، وحاليا يكابدون للحصول على متطلبات مائدة العيد، الأمر الذي جعلهم يفقدون فرحة العيد، لصالح زيادة همّ توفير احتياجات العيد.
يقول ياسين وجدي، رب اسرة، لـ"المنتصف"، في بتنا في ظل ما تشهده البلاد منذ "الساحات" المشؤومة، نعيش هم في هم، ندخل في هم متطلبات رمضان، لنخرج إلى هم متطلبات العيد، ومن متطلبات المدارس، إلى المتطلبات المعيشية اليومية، وهكذا لم نعد نعرف معنى للحياة الا بالبحث عن القوت والاحتياجات.
ويتابع :"  كنا نسعد بقدوم مثل هذه المناسبات للعيش بسلام روحي ونفسي بعد عناء العمل طوال العام، حاليًا نعيش في دوامة البحث لتوفير متطلبات هذه المناسبات في ظل تدهور الاسعار وغياب الاشغال والاعمال، وغياب الشعور بوجود دولة توفر لك الخدمات والأمن والاستقرار، وحتى الأعمال والمرتبات التي فقدت منذ سنوات.

غياب الخدمات
يأتي العيد هذا العام مع استمرار غياب العديد من الخدمات الأساسية وعلى راسها خدمة الكهرباء التي تواصل أزمتها منذ العام 2015، والتي دخلت أزمة جديدة قبل ايام قليلة من حلول العيد وزادت ساعات الانطفاء إلى ست ساعات بدلا من ثلاث ساعات كما كان الحال منذ شهر شعبان، فيما شهدت عدن ولأول مرة ازمة انقطاع في خدمة المياه عن معظم الأحياء لأيام متواصلة .
وأما بقية الخدمات مثل الأمن والطب والتعليم والاتصالات، فما تزال تعيش تدهورًا كبيرًا منذ سنوات، في حين فاقمت ارتفاع الاسعار وتدهور العملة منها، وأثرت كثيرًا على الخدمات خاصة انها تسبب في ارتفاع المشتقات النفطية التي زادت من معاناة المواطنين خاصة في الاعياد.
فقد شهدت عدن خلال أول يوم لعيد الفطر هذا العام، خلو شبه تام  للمركبات من شوارع المدينة، خاصة مركبات النقل الداخلي، وان وجدت فقد تحكم اصحابها بالأسعار ورفعوها بحجة "العيد"، ووصل سعر الراكب فيها إلى 300 ريال بدلًا من 200 ريال ما بين المديرية القريبة او في اطار المديرية الواحدة، فيما ارتفع سعر الراكب بين المديريات المتباعدة كالشيخ والبريقة إلى 600 ريال بدلًا من 400 ريال.

شواطئ ومتنزهات
تعيش عدن حالة فقدان كبيرة للحدائق النوعية والمتنزهات الراقية، وظلت منذ سنوات دون وجود أي تغيير، حيث تقتصر فيها الحدائق على حديقتين رئيسيتين إحداهن في مديرية صيرة، والأخرى في الشيخ عثمان، في حين تتواجد بعض الحدائق الصغيرة بدون ألعاب نوعية في عدة مديريات، وكلها من أيام ما قبل الفوضى.
ورغم ان المدينة شهدت افتتاح عدد من المنتجعات الخاصة، من قبل بعض تجار الحروب والمستفيدين من الأزمة الطاحنة التي تشهدها البلاد، إلا أن أسعارها المرتفعة تجعل المواطن يعزف عنها، وتبقى مخصصة لمن لديهم القدرة المالية والمدخول الكبير.
وفيما يتعلق بشواطئ عدن الجميلة فهي مشرعة للمواطن البسيط، رغم إغلاق اثنين من الشواطئ الكبيرة في المدينة وهما "الساحل الذهبي وساحل العشاق"، نتيجة تواجد قيادات أحد المكونات التي ظهرت على خلفية فوضى 2011، وباتت تشكل ثكنة قتالية محاطة بالعديد من نقاط التفتيش والأسلحة المتنوعة، ولا يتم السماح بالوصول اليها الا لبعض الأسر المنتمية إلى مناطق معينة.

فنادق خاوية 
أكثر ما يميز عدن انتشار العديد من الفنادق المتنوعة المستويات في تقديم الخدمات، مع بقاء أبرزها خارج الخدمة نتيجة تدميرها على يد مليشيات الحوثي عقب اجتياحها للمدينة في العام 2015، وحرب تحريرها التي تلت ذلك، الا ان معظم تلك الفنادق شبه خاوية في أول ايام العيد.
عرفت فنادق عدن خلال السنوات التي سبقت انهيار الدولة والنظام، أوقات ازدهار كبيرة في مثل هكذا مناسبات عيدية حيث كان يتم حجز غرفها واجنحتها من منتصب شهر رمضان في مناسبة عيد الفطر وقبل عشرة ايام من عيد الأضحى المباركين.
كانت عدن تعيش في ايام العيد اسعد ايامها نتيجة تواجد اعداد كبيرة من الأسر القادمة من جميع محافظات اليمن لقضاء اجازة العيد فيها، وكانت تجني أرباحًا طائلة نتيجة ذلك، خاصة الفنادق والمطاعم والأسواق الشعبية، بحيث لم تعرف المدينة خلال اجازات الاعياد أي اغلاق للمحلات بل الكل كان يستعد لهذه المناسبة لتحقيق أرباح كبيرة تغطي تكاليف الايجارات وتكسبهم ارباحًا كبيرة.
اليوم عدن تعيش كأنها قرية، وهي سمة لعدد من المدن الساحلية الأخرى، حيث اثرت الأزمات  التي انتجتها تلك الفوضى الخبيثة على حياة المواطنين، وعلى مجالات الحياة الأخرى وافقدتهم حالات السعادة والفرح بكل انواعها واشكالها.

منع التصوير
في عدن شهد يوم العيد الأول انتشارًا كبيرًا لأطقم أمنية وعسكرية في مناطق عدة بحجة تأمين العيد، فيما انتشرت نقاط تفتيش في مناطق عدة، هدفها منع أي عمليات تصوير .
وتحدث العديد من الشباب والفتيات، بأنه تم منعهن من عمليات تصوير لتوثيق لحظات الفرحة بالعيد في مناطق سياحية وجوار معالم ومجسمات، وحتى في المتنزهات والشوارع العامة دون معرفة الأسباب.

وتبقى فرحة العيد حاضرة
ورغم الصعوبات والتحديات التي اوجدتها وأفرزتها فوضى 2011 وانقلاب 2014، وما انتجته من كيانات وجماعات تتنازع فيما بينها على تقاسم الثروة والسلطة، وفي مقدمتها مليشيات الحوثي الارهابية "وكلاء ايران في اليمن"، تبقى فرحة العيد متواجدة في جميع مناطق اليمن، ومنها عدن الساحرة بجمالها وشواطئها الخلابة وطيبة أهلها.
ويبقى الأمل في عامل الوقت ليزول كل "الزبد" الراهن، فأما ما ينفع الناس فهو قادم لا محالة، واما ما دونه "فيذهب جفاء"،  فالمتواجدين على الساحة اليوم لم يتمكنوا من توفير خدمة واحدة على مدى أكثر من 13 عامًا،  فالوقت والقدر المناسب سوف يتيح لليمنيين ان يعدوا إلى  زمن الدولة التي فقدوها برحيل الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح"  طيب الله ثراه".