الكهانة الدينية ..!!

03:37 2024/04/08

كما يعرف الجميع بأن مهنة الكهانة الدينية قديمة قِدم الوجود الإنساني على هذا الكوكب ، والعاملين في هذا المجال يسخرون كل وقتهم وجهدهم في خدمة الآلهة على اختلاف أنواعها كما هو ظاهر من تصرفاتهم ، وهم وحدهم الممثلين عن الآلهة والناطقين بإسمها ، وكل ما للآلهة من حقوق وواجبات يجب أن تمر من خلالهم ، وهذه المهنة قد منحت المنشغلين فيها في كل العصور والأزمان الحق في سلب جيوب الناس ونهب أموالهم والتغرير عليهم وخداعهم واستغلالهم بإسم الآلهة ، كما أن هذه المهنة قد جعلتهم يدعون بإصطفائهم وتميزهم  على غيرهم من البشر ، كما أنها قد منحتهم السطوة والحق في التدخل في حياة وخصوصيات البشر ، والحق في اصدار الاحكام والقوانين والتشريعات وصولاً إلى الحق في سلب حياة الناس ومصادرة حقوقهم وحرياتهم وسفك دمائهم وإزهاق أرواحهم وتكفيرهم وإخراجهم من رحمه الله تعالى ..!!

ولن أبالغ إذا قلت بأن هذه المهنة هي الأخطر بين جميع المهن ، وهي الأكثر تأثيراً وحضوراً في حياة البشر ، فالكهنة عبر التاريخ هم من صنعوا الكراهية والخلافات بين البشر ، وهم من فرقوا البشر على أسس دينية وطائفية ومذهبية وعنصرية ، وهم من استغلوا الجانب الروحي في الإنسان لإستلاب فكره وعقله وفق رؤى معينة وإفكار محددة ، وهم من استثمروا الآلهة لجني الكثير من الأموال والثروات ، وهم من منحوا أنفسهم الامتيازات التي جعلتهم فوق البشر وأفضل من البشر ، واحتكروا من خلالها العلم الديني والمعرفة الكهنوتية وهم وحدهم دون غيرهم من يمتلك الحق في وضع التشريعات والأحكام ، وأي علم ديني يجب أن يمر من خلالهم كون الآلهة قد اصطفتهم دون غيرهم للقيام بذلك ، وأي علم أو فكر لا يصدر منهم فهو باطل وفاسد ( الاحتكار الديني في أبشع صوره ) ..!!

وللأسف الشديد رغم محاربة الدين الإسلامي لهذه المهنة لما لها من سلبية وانتهازية واحتكار للدين وتشويه لصورته وأهدافه وغاياته العظيمة والسامية ، ورغم دعوته الصريحة والواضحة إلى أن العلاقة بين الله تعالى وعبادة علاقة مباشرة لا تحتاج لوسطاء ولا وكلاء ولا كهنة ، ورغم مطالبته كل البشر إلى تفعيل عقولهم والتفكر في كتاب الله ( القرآن الكريم ) وفي آيات الله الكونية المحسوسة ، والتي تحتوي على كل الحقائق والدلائل والمعجزات التي تبين للإنسان حقيقة الكون والحياة ، إلا أن مهنة الكهانة قد تمكنت من الاستمرار في مزاولة نشاطها وإن تحت عناوين ومسميات مختلفة ، ليتحول المنشغلين في هذه المهنة إلى وكلاء عن الله تعالى في الأرض ، وصولاً إلى احتكارهم لكل ما له علاقة بالعلوم الدينية والروحية ، وأي علم ديني لا يكون صحيح إلا إذا مر عبرهم دون غيرهم ، إنها الكهانة الدينية الحديثة وإن تغيرت صورها وتبدلت أشكالها ..!! 

وهكذا في كل زمان ومكان هناك من يسعى لتلميع وتحسين صورة الكهنة تحت مسميات وشعارات مختلفة ، لكن وظيفتهم لم تتغير سواء قديما أو حديثاً ، فالدعوة إلى الاصطفاء الإلهي والتمييز العنصري وصناعة الكراهية والخلافات والعداوت والانقسامات والتفرقة الدينية والمذهبية بين البشر ، هي من تجمعهم وهي من تكشف حقيقتهم في كل عصر وزمان ، وهي التي تميز بينهم وبين غيرهم من الدعاة الصادقين إلى الله تعالى ، الذين يسخرون حياتهم لصناعة جسور المحبة والتقارب بين الأخوة في الدين ، وصناعة السلام والتعارف الإيجابي بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وهم من يسعون إلى إطفاء نار الحروب والفتن ، فالدعاة إلى الله تعالى هم دعاة الخير والمحبة والسلام ، والكهنة هم دعاة الشر والكراهية والحروب في كل زمان ومكان ، وهذا ما يميز بين الفريقين ، كما أن الدعاة المخلصين إلى الله تعالى والمؤمنين حقاً لا يدََعون امتلاك الحقيقة ولا وجود لفكرة الاصطفاء الإلهي والتمييز العنصري في أدبياتهم ومناهجهم ، فهم يرون أنفسهم مجرد عبيد لله تعالى كل همهم هو رضا الله تعالى عنهم ، ونشر قيم الخير والتسامح والمحبة بين البشر ، والدعوة إلى الله تعالى بالحسنى والحوار والحكمة والموعظة الحسنة ..!!