حصار اليمنيين بين ظلم الميليشيا وتخاذل الشرعية
بساعتين فقط كان يمكن الانتقال بالسيارة من تعز إلى عدن، أي أنها كانت أقرب من تعز المدينة والحوبان المنطقة التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي في الظروف الحالية، فكيف في وضع يتطلب فيه العبور بين تعز والعاصمة صنعاء الذي قد يستغرق فيه الوقت لساعات طويلة قد يتطلب فيه المسافر للمكوث والراحة بين محافظة وأخرى نتيجة لصعوبة المرور بين نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي قد تعرض المسافر للاعتقال أو الخطف لمجرد الاشتباه به.
الطريق بين مدينة تعز والحوبان وبين تعز وعدن الذي يشق الجبال صاعداً، ومتعرجاً نتيجة لحصار ميليشيا الحوثي، انطبع في ذاكرتي وأنا إبن المدينة المهاجر كطريق إلى الخلاص، وأظن أن الأمر لا يخصني وحدي، " كجيل عاصر سقوط الدولة بين فكي ميليشيا الحوثي وميليشيا الإخوان" بل يخص عامة الشعب اليمني وجميعهم معنيون بهذه الذاكرة مثلي بالضبط.
العيش في مدينة تعز التي تنكر بعض أبنائها لنظام الشهيد الراحل علي عبدالله صالح أشبه بالعيش في نفق مسدود ليس به نافذة، هكذا حول عبدالملك الحوثي والإخوان تعز، المدينة المُفعمة بالحياة إلى وكر عصابات يتسكع في شوارعها مشرفيهم، حتى أصبحت تشبههم وتشبه أحلامهم الهدامة. فيما يعيش باقي المواطنين على هامش الحياة، أعمالهم مشبعة بالإحباط، والاختلاف غير مقبول، عقيدة ثقافية واحدة تمثل طرفي الحرب في الحوبان وتعز المدينة، وأصحاب الآراء والأفكار المعارضة لهم مكانهم إما تحت الأرض بعد أن تشبعوا بالموت أو في السجون السرية.
الاختلاف في الآراء والأفكار في مدينة تعز في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي والإخوان يعني التهميش والمعاناة الاجتماعية والإنسانية والسياسية، الطريق الوحيد إلى الارتقاء الثقافي هو المرور إلى الصمت إن أمكن عبر ابتلاع اللسان وكسر أصابع اليدين لتجنب الاعتقال والموت الخاطف الذي قد يطرق باب بيتك ويسكن رصاصته جمجمة رأسك المثقلة بالهموم ومتاعب الحياة..
وحده الخوف في مدينة تعز من يمثل الطريق المتعرج إلى النجاة، يعطي معنى إلى الوجود والبقاء في مأمن، يمنحهم هوية مؤقته، يسافرون عبرها إلى العالم الافتراضي.
كانت تعز بمثابة الحدود الإبداعية لليمن، بعد نشوب فوضى ٢٠١١م تحولت تعز من حلم زاهر إلى مشقة لابد منها، لم تعد خياراً متاحاً للجميع كما كانت في عهد صالح، بل تكاد تكون المكان الوحيد المتاح لميليشيا الحوثي والإخوان، حتى وإن لم يتخذها البعض مكاناً للإقامة، إلا أنها شكلت وطناً بديلاً للمجرمين وقطاع الطرق و المطلوبين للعدالة ومعبراً إلى الموت والفوضى
قبل يومين تحدث العليمي عن حصار ميليشيا الحوثي لليمنيين ودعاهم لرفع الحصار مطمئناً الحوثي في نفس الوقت بأن مجلس القيادة الرئاسي مجلس سلام لا حرب، بهذا التصريح قتل العليمي القضية اليمنية وأسقط مشروعية مجلسه أكثر مما هو ساقط، وتحول لمفسبك يتمنى رفع الحصار ويُمني نفسه بذلك، ولو خضنا كثيراً في تبعات هذا الحديث، لتوصلنا لأدق خيوط الفشل الذي واكب مسيرة مجلس القيادة حتى يومنا هذا.
مجلس القيادة الرئاسي الذي سُرق قبل أن يُولد، تحول إلى شارع تصريحات،، حيث كان حريصاً ومنذُ اللحظة الأولى على عدم الخوض في تفاصيل القضية اليمنية بالعمق، على الأقل للبقاء على قيد الحياء قدر المستطاع، في النهاية تبقى السياسة لعبة وسخة على حد تعبير العامية، والذين يرون بأن تدخل مجلس القيادة في السياسة سيحدث ضجة آنية سرعان ما تزول، ولن يتبقى منه حينها سوى ذكرى بعيدة وغير مجدية
أكتشف العرب مؤخراً بأن اليمنيين ليسوا أفضل حالاً منهم، وأنهم عاشوا بعد العام ٢٠١١م تحت ظل عمامة الولاية والخلافة، والأهم من كل ذلك أنهم مازالوا يرون فينا شعبًا جبارًا وشجاعًا استطاع التأقلم والعيش في ظل ظروف الحرب والقتل والفوضى وغياب القانون، لم يكن العرب يعتقدون يوماً أن اليمني قد يتعرض لهذا الكم الهائل من المظلومية والانتقام، وتُعرض حياته للخطر والموت، إننا في صورتنا النمطية، شعب مطيع ومطواع، عامل بناء أو عنصر أمن، أحادي التفكير، مثقف الميليشيا ومثقف الشرعية، الأول في الرياض والثاني في طهران، هكذا أصبح حالنا بعد صالح وصار اليمن إلى هاوية المغامرين
أرى أن الخوف الذي عاشه اليمني في ظل ظروف الحرب وصراع جميع الأطراف بات حالة تُدرس وتُحلل لاستخلاص أمراض هذا الجيل، يصعب القول أن جيل ما بعد ٢٠١١م نشأ دون أمراض أو عُقد، كبر وكبرت أمراضه، إلا أنه يتحلى بالشجاعة يحتاج فقط لقيادة سياسية يؤمن بها وتزرع بداخله قيمته الوجودية وإرتباط بقائه ببقاء الوطن ونظامه الجمهوري.
في النهاية يجب أن تأتي النتائج متحرره من الشعارات التي قادت الوطن إلى طريق مظلم، لتبقى أفكارهم واضحة، تنبذ المواربة، تؤمن بالحرية، باللحظة، بالحدث، وترفض الخنوع، ولا تفقد قيمتها مع الزمن.