سياسات تزييف الوعي .. وتغيير الحقائق

04:26 2024/04/06

للحكم على أي حدث أو فعل سياسي أو اقتصادي في كل زمان ومكان ، لا بد من التعرف على نتائجه ومردوداته من مختلف الجوانب ، فإذا كانت إيجابية كان حدثا وفعلاًِ ايجابياً ، وإذا كان العكس كان حدثاً وفعلاً سلبياً ، هكذا يتم الحكم على كل الأحداث والأفعال السياسية والاقتصادية وحتى المعارك العسكرية ، وللحديث عن أي فعل أو حدث أو معركة لا بد من تحري الموضوعية والعقلانية والواقعية السياسية ، ولا بد من الابتعاد عن المبالغات والشطحات والكتابات العاطفية والانفعالية البعيدة عن الواقع ، ولا بد من الاطلاع على نتائجه ومردوداته على كل المستويات الشعبية والرسمية ، فإذا كانت إيجابية كان إيجابيا وإن كانت سلبية كان سلبياً ، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أي فعل أو حدث سياسي أو اقتصادي او عسكري إيجابي ونتائجه سلبية وكارثية والعكس صحيح ، لأن هكذا محاولات ليست أكثر من تضليل للوعي وتزييف للواقع وللتاريخ ولي لعنق الحقيقة ، وهل هناك تزييف وتضليل وخداع وكذب ومغالطة على الرأي العام أكثر وأفظع من تحويل الهزيمة إلى نصر ، ومن تحويل الفعل السياسي او الاقتصادي السلبي والكارثي إلى إيجابي ..

وعادة ما تلجأ أنظمة الحكم الفاشلة والعاجزة عبر التاريخ إلى العمل على تزييف الوعي الشعبي من خلال دفع مكنتها الاعلامية والدعائية إلى تهويل وتضخيم انجازاتها وأعمالها ومعاركها ، ومن خلال التقليل والتصغير والتهوين من انتكاساتها واخفاقاتها وهزائمها وفشلها وعجزها ، بل قد يصل الحال ببعض تلك الأنظمه إلى الاستخفاف بعقول شعوبها لدرجة تحويل اخفاقاتها وانتكاساتها وفشلها وعجزها وهزائمها إلى نجاحات وانجازات وانتصارات ، ولا تحدث هكذا أمور إلا عند الشعوب الجاهلة والمتخلفة فكرياً وحضارياً وثقافياً وعلمياً ، ولا تتوقف هكذا أنظمة حكم في كل زمان ومكان عن التباهي والتفاخر بالانجازات والانتصارات المزعومة كونها تفتقد لها في حياتها وواقعها ، الانجازات والانتصارات الزائفة والوهمية التي تغطي بها عجزها وفشلها ، وقد كان للتطورات التقنية الكبيرة في المجال الاعلامي والدعائي الدور البارز في هذا المجال ، خصوصاً بعد أن أصبح مجال تزييف وتضليل الوعي الشعبي علم قائم بذاته له نظرياته ومناهجه ، ويحظى بدعم حكومي ورسمي كبير ( الأنظمة العربية خلال معاركها العسكرية مع النظام الإسرائيلي إنموذجاً ).

وفي سبيل نجاح تلك الأنظمة في سياساتها الاعلامية والدعائية الزائفة والمضللة ، لا تتردد في توجيه كل التهم المرتبطة بالخيانة والتآمر والعمالة لكل من يتبنى الخطاب الموضوعي والعقلاني والتنويري ، ولكل من يسعى إلى كشف زيفها وتضليلها وعجزها وفشلها واخفاقاتها وسلبياتها وانتكاساتها وهزائمها واستبدادها وظلمها وطغيانها وفسادها ، ولكل من يعارض سياساتها ويخرج عن طوعها ، ولكل من يرفض تبني خطابها الاعلامي والسياسي والدعائي الزائف والضال والمضلل ، في واحدة من أطول وأعظم المعارك عبر التاريخ البشري بين طرفين متناقضين الطرف الأول رواد الحق والحقيقة والموضوعية والعقلانية والحرية ، والطرف الثاني أنظمة الحكم الفاشلة والعاجزة ، معركة لم ولن تتوقف يوماً بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين الموضوعية والزيف ، بين الحيادية والتعصب ، بين الحرية والعبودية ، بين العدل والظلم ،  بين الواقع والأوهام ، بين الصدق والكذب ، بين الإيجابية والسلبية ، ولا غرابة في ذلك فهزيمة أنظمة الحكم في المجال الاعلامي والدعائي هو بمثابة هزيمة لها في كل المجالات ، لذلك تحرص كل الحرص على تقديم الدعم الكبير واللا محدود لأجهزتها الاعلامية والدعائية ، فالمعركة الاعلامية والدعائية والتوعوية باتت اليوم بالنسبة لكل أنظمة الحكم وخصوصا الاستبدادية والقمعية منها معركة مصيرية .

والأمر المؤسف له حقاً عندما يقع الكثير من المتعلمين والمثقفين والباحثين والسياسيين في فخ التضليل والتزييف الاعلامي والدعائي ، وعندما تدفع بالبعض منهم تعصباتهم الحزبية او المذهبية أو الطائفية إلى تبني الخطاب المغاير للحقيقة وللواقع ، وعندما تراهم وهم يسخرون أقلامهم وأفكارهم في صناعة أوهام وخيالات الانتصارات الزائفة ، لخداع وتضليل الشعوب انتصاراً لتعصباتهم وحزبياتهم ومصالحهم ، وهنا يتجلى السقوط القيمي والاخلاقي والفكري ، فالقيم والاخلاق والفكر كلها تعلم الإنسان الواعي والمثقف والمفكر أن يسمي الأشياء بمسمياتها ، فالمنجزات التقدمية والخدمية والحضارية منجزات إيجابية تستحق الإشادة بها واعتبارها احداث وأفعال إيجابية والعكس صحيح ، وتجنب الخسائر البشرية والمادية وكسب المزيد من الجغرافيا وتكبيد العدو الخسائر الفادحة في ساحات المعارك العسكرية ، هو المعنى الحرفي للانتصارات الحقيقية ، والعكس صحيح ، لكن أن تتكبد الأنظمة السياسية الكثير من الخسائر البشرية والمادية وتخسر الجغرافيا التي كان تحت سيطرتها فهذا هو المعنى الحرفي للهزيمة والخسارة والفشل ، وأي محاولات لتصوير هكذا مواقف بالانتصارات فهو محض جنون ومحض ضلال وزيف ، وخداع للنفس وللآخرين وللواقع وللتاريخ وللشعوب ، ونتائج هكذا محاولات وسياسات تكون كارثية على كل المستويات ، فتزييف الواقع وتغيير الحقائق وتضليل الشعوب لن تصنع سوى المزيد من الفشل والانتكاسات والهزائم ، ومواجهة الشعوب بالحقائق هو الحل الافضل لتجاوز السلبيات وإيجاد الحلول الفاعلة لأسباب ومسببات الفشل والهزيمة .