سوء التشخيص السياسي .. والتطورات السلبية للأزمة اليمنية

04:21 2024/03/31

مثلما تتوقف جودة علاج الأمراض على جودة ودقة التشخيص ، كذلك الحال بالنسبة للأزمات السياسية يتوقف إيجاد الحلول المناسبة لها ، على جودة ودقة ومصداقية وموضوعية تشخيص أسبابها والمعرفة السليمة بها .
وكما يعاني المريض من مضاعفات مرضية وانتكاسات صحية بسبب سوء التشخيص ، كذلك الحال بالنسبة للأزمات السياسية فإن سوء تشخيص أسبابها يترتب عليه نتائج سلبية ومضاعفات كارثية تساهم في تعقيد الأزمة ، فالعلاج السليم لكل الأمراض والمشاكل والأزمات الحياتية المختلفة يتوقف على التشخيص السليم ، وكم دفع المرضى من أثمان باهظة من صحتهم وحياتهم نتيجة سوء التشخيص الطبي ، وكم دفعت الشعوب والمجتمعات البشرية من تضحيات باهظة نتيجة سوء التشخيص السياسي، وإذا كانت أضرار سوء التشخيص الطبي يقتصر على المستوى الفردي ، فإن أضرار سوء التشخيص السياسي تتسع على مستوى شعوب بأكملها ..

وما يحدث اليوم في اليمن من مضاعفات سلبية ونتائج كارثية لأزمتها السياسية القادمة على عامها العاشر ، هو النتيجة الطبيعية والمنطقية لسوء التشخيص السياسي للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي اليمني ، وعدم القراءة السليمة لمدخلات ومخرجات النظام السياسي اليمني ، وكل ذلك بسبب الاعتماد على تقارير حزبية وطائفية وقبلية ومناطقية ومذهبية غير محايدة وغير مستقلة وغير موضوعية خلال دراسة وقراءة وتشخيص المشهد السياسي اليمني .
ومن المعلوم، بأن البيانات والتقارير والمعلومات الخاطئة حتماً تؤدي إلى نتائج خاطئة وحلول خاطئة ومبادرات خاطئة وقرارات خاطئة ، لذلك لا يستغرب أحد وهو يشاهد التعقيدات الكبيرة والمضاعفات السلبية للأزمة اليمنية ، التي دمرت كل شيء جميل في هذا البلد ..

والشاهد من ذلك، أن النظام السياسي اليمني السابق بقيادة حزب المؤتمر لم يكن بذلك السوء والسلبية الذي رسمتها عنه التقارير والمعلومات والبيانات ذات النزعة الحزبية والمذهبية والمناطقية والطائفية .. نعم كان هناك بعض السلبيات وكان بالإمكان معالجتها بتكلفة بسيطة ، وذلك لو تم تشخيصها بشكل محايد ومستقل ، عبر هيئات ومؤسسات بحثية مستقلة ومحايدة ، ولكن سوء التشخيص للمشهد السياسي العام في اليمن ، والناتج عن سوء الأدوات والمصادر الني إعتمد عليها ذلك التشخيص ، هو ما جعل تكلفتها باهظة جداً بهذا الشكل ، وهو ما تسبب في تعقيدها ووصولها إلى الحال الكارثي والمأساوي الذي وصلت إليه اليوم .. والطامة الكبرى هي أن تقع مؤسسات دولية وأممية في مثل هكذا تضليل معلوماتي وبياناتي واستخباراتي ، وأن تعتمد في قراءتها للمشهد السياسي اليمني على مصادر ومراكز ومؤسسات بحثية حزبية وطائفية ومذهبية ومناطقية لا تتمتع بأدنى معايير الموضوعية والحيادية والاستقلالية ..

وطالما ولا تزال تلك المؤسسات والأجهزة الأممية والدولية مستمرة في استقائها للمعلومات والبيانات من ذات المصادر والمراكز والمؤسسات وذات الوجوه ، فمن الطبيعي جداً أن نشاهد الأزمة اليمنية وهي تتطور في الإتجاه السلبي ، وتزداد كل يوم تعقيداً وتشابكاً ، ومن الطبيعي جداً فشل كل المبادرات السلمية لحلها ، فالنتائج تتوقف على المقدمات والبيانات والمعلومات ، فٱذا كانت صحيحة ومن مصادر مهنية موثوقة ومحايدة ومستقلة وموضوعية حتماً ستكون النتائج إيجابية ، وإذا كانت خاطئة ومن مصادر حزبية ومذهبية وطائفية ومناطقية غير مستقلة وغير مهنية ، حتماً ستكون نتائجها سلبية وكارثية وهذا هو حال الأزمة اليمنية بكل إختصار ، وإذا كانت هناك نوايا حقيقية لمعالجتها وحلها ، فالمطلوب إعادة بناء المقدمات والاعتماد على مصادر ومؤسسات علمية وبحثية مستقلة وموضوعية ومحايدة يمكنها وضع التشخيص السليم لهذه الأزمة ، فالعلاج السليم يتوقف على التشخيص السليم ، وما دون ذلك ليس أكثر من عبث وإهدار للمزيد من الوقت والجهد ، نقطة آخر السطر .