حصار تعز.. معاناة إنسانية وجريمة حرب
ثمان سنوات من الحصار عاشتها تعز المحافظة، المقاومة لمليشيات الحوثي التي أتت من كهوف صعدة لإذلال اليمنيين واركاعهم لسلطتها وادعائها بالحق الإلهي.
قاومت تعز مليشيات الحوثي ولا تزال تقاوم في كل جبهات الوطن، ابتداء بجبهات المحافظة المحاصرة وجبهات الساحل الغربي وجبهات مأرب وجبهات الحد الشمالي.
وانتقاما منها ومن أبنائها الذين يتواجدون في مختلف الجبهات، عملت مليشيات الحوثي الانقلابية على إغلاق الطرق والمنافذ المؤدية إلى المحافظات المجاورة، وتلك الطرق التي تربط مديريات المحافظة ببعضها البعض، وعزلت أجزاء المحافظة عن بعضها وأصبح السفر من وإلى المدينة بمثابة حلم يصعب تحقيقه.
فرضت مليشيات الحوثي الحصار منذ ثمان سنوات، تفاقمت خلالها معاناة المواطنين وارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية والمياه وانقطعت الكهرباء، ومنعت تعز من الاستفادة من الأحواض المائية الواقعة في الجزء المسيطر عليه من قبل الانقلابيين الحوثيين، وبالذات حوض الحيمة الواقع في مديرية التعزية.
خلال سنوات الحصار الأولى، لجأ المواطنون في تعز إلى استخدام مياه غير صالحة للشرب، واستخدموا الحمير لنقل البضائع والخدمات عبر طرق جبلية وعرة، قبل أن يتم فتح خط الضباب الرابط بين وسط المدينة ومديريات الحجرية والعاصمة المؤقتة عدن.
اتخذ المواطنون طرقاً بديلة لتحركاتهم وتنقلاتهم، كطريق المسراخ في صبر، والذي يعد أحد شرايين المدينة المحاصرة، وهو عبارة عن طريق جبلي وعر وضيق تمر عبره صوالين وسيارات دبل، تعمل على نقل المواطنين من وإلى مدينة تعز. ورغم أنه منفذ حيوي ومهم لتعز خلال سنوات الحصار، لكنه لا يكاد يسافر مواطن دون أن يواجه مصاعب كثيرة أثناء رحلة السفر، أبرزها وقوف وسيلة المواصلات التي يستقلها لساعات طويلة كي تفسح المجال للسيارات القادمة من الاتجاه الآخر، وأحيانا يزدحم الخط بآلسيارات القادمة من الاتجاهين ما يجعل إفساح الطريق للآخر صعبا جدا، فضلا عن بعد الطريق وزيادة مدة السفر وارتفاع أجرة المواصلات؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أسعار السلع كما يقول علي (تاجر خضروات). ويضيف إليه مقبل: "كانت المسافة التي نقطعها إلى مدينة تعز لا تزيد عن خمس دقائق، واليوم تجاوزت ست ساعات وتقل وتزداد حسب وضع الطريق " .
طول الطريق أدى إلى ارتفاع الأسعار كما يقول علي؛ حيث يؤكد: "طول الطريق فرض علينا تكاليف أكثر الأمر الذي دفعنا إلى رفع أسعار الخضروات كي نعوض خسائرنا التي خسرناها في الطريق، إلى جانب أجرة النقل وقيمة المشتقات النفطية المرتفعة".
نصيب الأسد
للنساء نصيب الأسد من المعاناة جراء الحصار المفروض من قبل مليشيات الحوثي على تعز؛ حيث تعاني المرأة أوضاعا بالغة الصعوبة أثناء سفرها من تعز إلى الحوبان والعكس، تزداد لدى النساء الحوامل والمصابات بأمراض مزمنة، وتعترض طريقهن أوجاع وماسٍ، بحسب نوران محمد، إحدى النساء اللواتي سافرن عبر طرقات جبلية وعرة. حيث بادرت بالقول: "السفر الى مدينة تعز أصبح جحيما قد تكون نتائجه وخيمة علينا، حيث يزداد القلق لدينا نتيجة وعورة وخطورة الطريق التي نسافر عبرها. كنا قبل الحرب الحصار نسافر إلى مدينة تعز خلال وقت لا يتجاوز الساعة الواحدة، والآن أصبح السفر يستغرق ساعات طويلة، حتى أن الكثيرون انقطعوا عن زيارة أقاربهم في المدينة بسبب مشقة السفر".
تضيف نوران: "ونحن النساء نالنا نصيب الأسد من معاناة السفر عبر طرق وعرة، حيث أن المرأة تسافر وهي قد تكون حاملا وقد تكون لها ظروفها الخاصة والصعبة وكذلك غير معتادة على السفر بواسطة هكذا طرقات، وبالتالي تكون معاناتها أصعب وأشد من الرجل".
ونتيجة الحصار انقطعت العلاقات الاجتماعية والأسرية، وأصبح المتواجد داخل المدينة لا يستطيع زيارة أسرته وأهله في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين، حتى وإن تعرضوا للموت كحال الصحفية مها البرطي والتي توفي والدها بصورة مفاجئة ولم تتمكن من زيارته أو رؤيته أو وداعه بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الحوثي على تعز.
ورغم ما يعانيه 4 ملايين مواطن من أبناء تعز، عملت الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى أليمن على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة لتسهيل عمليات التهريب لمليشيات الحوثي، وتجاهلت معاناة أربعة ملايين من أبناء تعز يخنقهم ويقتلهم حصار مليشيات الحوثي المفروض منذ ثمان سنوات.
ويبقى حصار تعز جريمة حرب مستمرة ترتكبها مليشيات الحوثي، مخلفة مأساة إنسانية كبيرة يعيشها أبناء المحافظة بشكل يومي، بينما يتجاهلها المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن.