عُرف كشيخ يعتاشُ على التحكيمِ والمشاكل.. "المخلافي" فقاعة تحرير تعز التي نفخها الإخوان
عُرف كشيخ يعتاشُ على التحكيمِ والمشاكل ويجبر الأطرف الرافضة لأحكامه على التنفيذ كطرف بديل للدولة.
برز نجم حمود المخلافي مبكراً كشاب مناطقي مندفع يميل لانتزاع الحقوق بالقوة، غير مؤمن بنظام الدولة والقانون، بعد أن قام بتشكيل مجموعة مسلحة من إخوته وعدد من شباب منطقته.
ففي العام 1996 كانت أبرز مغامرات مجموعة المخلافي المسلحة بالهجوم على مجموعة من آل الأعوش من أبناء قبيلة مراد مارب، والتي انتهت بمقتل أحد آل الأعوش، وكان ذلك إثر خلاف على أرضية في مدينة تعز ادعى الجانبان ملكيتها.
تلك القضية كانت لها تبعات وتوترات على أبناء المحافظتين بلغت ذروتها عام 2013 مع اغتيال مسلحين من مارب شقيق حمود المخلافي الدكتور فيصل، ليقوم على إثرها المخلافي ومسلحوه بمهاجمة أبناء مارب في تعز، فأحرقوا منزلاً ومعرضاً للسيارات لأحدهم في منطقة الحوبان، ولولا الوساطات وتدخل القوات الأمنية لاشتعلت حرب أهلية بين المحافظتين.
حمود سعيد قاسم المخلافي، رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، كما يحب أن يطلق على نفسه، من مواليد العام 1964 في قرية الرحبة أحجور عزلة مخلاف شرعب السلام محافظة تعز.
تخرج من كلية الشريعة والقانون في صنعاء، ليلتحق بعدها بالأمن السياسي كضابط قبل أن يترك عمله ويتفرغ للمشيخة ويستقر في مدينة تعز في حي الروضة تحديداً، فلم يعد قادراً على العودة لمسقط رأسه بعد إثارته للكثير من المشاكل هناك.
في أحداث 2011، استغل إخوان تعز المخلافي ومسلحيه ليعلنوه حامياً لساحة الحرية، فانتشر مسلحوه وزادت من التوترات الأمنية والاشتباكات المسلحة مع القوات النظامية.
بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء وتمددها في بقية المحافظات، دفع الانقلابيون بتعزيزات كبيرة بزي الأمن المركزي لمحافظة تعز للسيطرة عليها، وهو ما أسقط المحافظة لاحقاً بحرب شوارع دامية بين المليشيات وأبناء تعز العسكريين والمدنيين الرافضين للانقلاب الحوثي على الدولة، وهنا برز دور حمود المخلافي مرة أخرى بإعلانه المشاركة في معركة تحرير تعز من الحوثي.
وعلى الرغم أن هذه الحرب شاركت فيها كل الأطياف والتشكيلات الحزبية وغير الحزبية وأغلبهم مدنيون من أبناء تعز من جميع مديرياتها وقراها، إلا أن الآلة الإعلامية لإخوان اليمن صورت الحرب وكأنها تدور بين حمود المخلافي وتشكيلاته المسلحة والحوثي.
فبينما كان العميد عدنان الحمادي، مؤسس نواة المقاومة في المحافظة، يخوض معارك شرسة مع الانقلاب بصمت في تعز المدينة وريفها، كان حمود المخلافي يلتقط الصور مع كل خطوة له في الروضة وبعض الأحياء، ترافقه سَرية من المصورين المخصصين له ولتحركاته، حتى صار مثار تندر عند الكثيرين ممن وصفوا أن صُورَ الرجل أكثر من عدد الرصاصات التي أطلقها ضد مليشيا الانقلاب، حتى إن أبناء تعز أطلقوا عليه آنذاك لقب (حمود صورني) لكثرةِ ما التقط لهُ من صور.
زادت الهالة الإعلامية لحمود بعد استشهاد ابنه أسامة وشقيقه عزالدين في المواجهات أكثر من ذي قبل.
أما ابنه الآخر حمزة، خريج الشريعة والقانون، فقد عُين أركان حرب للواء 170 دفاع جوي في سن 28 سنة، ورُقي لرتبة عقيد، وهو ما أثار الكثير من الجدل.
في العام 2016 سافر حمود المخلافي من تعز وأعلن أستقراره في تركيا، تاركاً دور البطل المحارب ليتحول إلى رجل أعمال، حيث يمتلك هناك العديد من الاستثمارات، إضافة لامتلاكه مؤسسة خيرية تحمل اسمه، مقرها تعز ويديرها من تركيا، إضافة للمركز العربي للأطراف الصناعية في صلالة بسلطنة عُمان.
زعمت وسائل الإعلام الإخوانية أن تحوّل المخلافي من مقاوم إلى رجل أعمال في تركيا جاء بسبب ضغوط تعرض لها من التحالف لإجباره على الانسحاب من المشهد السياسي في تعز، لكن حرية تحركاته بين العديد من العواصم الدولية المختلفة جاءت لتدحض هذه المزاعم.
تنقل حمود المخلافي بين الرياض والقاهرة والدوحة ومسقط ونيودلهي وأسطنبول.
التقى سفير ألمانيا، وتمكن من فتح مركز طبي ضخم في مسقط، وابتعث الكثير من جرحى حزب الإصلاح في تعز للعلاج على حساب مؤسسته التجارية.
وكل هذه المعطيات طرحت حينها العديد من التساؤلات: من أين لحمود المخلافي كل هذه الأموال؟
وهل حقاً أقصي من المشهد السياسي؟ أم أنه تحول لشخصية دولية تلعب دوراً أكبر مما كانت عليه؟
ما سبب تنقلاته الكثيرة بين كل هذه العواصم؟ هل كل هذا من أجل جرحى تعز وعلاجهم؟ أم أن هذه مقدمات وطقوس تروجية لدور يُجهز لهُ خلف الستار؟
في الـ 30 من أغسطس 2019 ظهر حمود المخلافي بخطاب على السوشيال ميديا، يطلب فيه من المقاتلين من أبناء تعز في جبهات الحد الجنوبي للسعودية العودة للالتحاق باللواء الذي كان قد أعلن تأسيسه في مديرية جبل حبشي لقتال الحوثي في المحافظة، كما زعم، مع استعداده لتسليحهم ودفع رواتبهم مقدماً.
إعلان المخلافي في هذا التوقيت أجاب عن الكثير من التساؤلات وطرح الكثير من الأسئلة أيضاً على المستوى الإقليمي والمحلي.
فعلى المستوى الإقليمي جاء إعلان المخلافي في الوقت الذي تعيش دول التحالف في أوج الأزمة السياسية مع قطر وتركيا، فكشف الإعلان أن الرجل ترك دور البطولة في حواري تعز ليلعب دوراً إقليمياً أكبر، وأن من يقف خلف أنشطته هي أنظمة ودول.
أما على المستوى المحلي فجاء الإعلان في أوج الهجوم الإخواني على العميد عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع، متهمين إياه بالعمالة مع الإمارات وغيرها من الاتهامات التحريضية التي لم تهدأ إلا باغتياله بعد أربعة أشهر من إعلان المخلافي عن تشكيل لوائه في جبل حبشي.
حسب محللين، حمل الإعلان العديد من الرسائل، فعلى المستوى الإقليمي كان ضربة للسعودية فأغلبية المقاتلين في الحد الجنوبي على حدودها ضد مليشيا الحوثي هم من محافظة تعز، وتحييد هذه القوة ونقلها لتعز يعني إضعاف دفاعات المملكة على الأرض وتعزيز الموقف العسكري للحوثي.
إضافة لفرض الوجود الإخواني الدولي على الأرض كأمر واقع على دول التحالف من قبل قطر وتركيا.
أما على المستوى المحلي، فقد كان الهدف من إنشاء القوة عدة أسباب، أهمها: فرض الهيمنة وترجيح الكفة في حال فشل محاولة اغتيال العميد الحمادي.
إضافة أن القوة المشكلة هي طرف ثالث ستستخدمه جماعة الإخوان للسيطرة على تعز بالقوة دون أن تتعرض لضغوط من التحالف والشرعية، فاللواء المشكل خارج إطارها أصلاً.
وهو فعلاً ما قامت به بعد اغتيال الحمادي، فقد كان رفض النقاط الأمنية للواء 35 مدرع مرور شوقي المخلافي، شقيق حمود، بأطقمه المسلحة نحو التربة، سبباً لإعلان الحرب عليه بحجة التمرد العسكري، لتقود الجماعة حملة عسكرية ضخمة انتهت بتصفية وتهجير رفاق الحمادي من منتسبي اللواء 35، لتسيطر بعدها جماعة الإخوان على اللواء وتفرض قائدا صوريا مقربا منهم بقرار مشكوك بصحته، وبهذا تكون سيطرت على الحجرية تماما بعد سيطرتها على الأجزاء المحررة من المدينة.
أما على الجانب الشعبي فصورَ الإعلان حمود المخلافي بالبطل العائد بقوة لقتال المليشيا الحوثية وتحرير المدينة، ليكشف الوقت أن القوة المشكلة والمقدرة ب5 آلاف مقاتل لم تتوجه حتى اللحظة لقتال الحوثي في الجبهات، بل على العكس، توسع المخلافي نحو الشمايتين المحررة وشكل معسكرات فرعية تدريبية جديدة تتبعه، دون أي سبب أو حاجة تذكر.
كل هذه المعطيات أثبتت أن المخلافي هو روبن هود الإخوان، فمنذُ أن كان قائداً لعصابة مصغرة تفتعل الفوضى وتفرض نفسها على القانون منتصف تسعينات القرن الماضي وصولاً للعبهِ دور الذراع التركية القطرية المباشرة في اليمن وحمود المخلافي يلعب هذا الدور بكل جدارة.
لكن هل ينتهي دور المخلافي بعد التقارب السعودي القطري أم أن لتركيا رأياً آخر؟
هل يكون المخلافي باشا أَمرُ تعز الجديد لتركيا العثمانية؟ أم أنه مجرد نزوة مؤقتة لأردوغان؟
إجاباتٌ مبهمة متروكةٌ للوقتِ وقادم الأيام.